الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
ولما كان السلم في تمر الحائط بيعا لا سلما حقيقة وبيع المثلي المعين يفسخ بتلفه أو عدمه قبل قبضه لأنه ليس في الذمة أشار لذلك بقوله ( فإن انقطع ) ثمر الحائط المعين الذي أسلم في كيل معلوم من ثمره بجائحة أو تعيب بعد قبض بعضه لزمه ما قبضه منه بحصته من الثمن و ( رجع ) المسلم ( بحصة ما بقي ) له من السلم عاجلا اتفاقا ولا يجوز التأخير لأنه فسخ دين في دين وله أخذ بدله ولو طعاما ( وهل ) يرجع ( على ) حسب ( القيمة ) فينظر لقيمة كل مما قبض ومما لم يقبض في وقته ويفض الثمن على ذلك فإذا أسلم مائة دينار في مائة وسق من ثمر الحائط المعين ثم قبض من ذلك خمسين وسقا [ ص: 214 ] وانقطع فإذا كان قيمة المأخوذ مائة وقيمة الباقي خمسين فنسبة الباقي للمأخوذ الثلث فيرجع بثلث الثمن قل أو كثر ( وعليه الأكثر أو ) يرجع ( على ) حسب ( المكيلة ) فيرجع بنسبة ما بقي منها من غير تقويم فيرجع بنصف الثمن في المثال ( تأويلان ) ومحلهما حيث لم يشترط عليه أخذه في نحو اليومين مما لم تختلف فيه القيمة عادة وإلا رجع بحسب المكيلة اتفاقا ( وهل القرية الصغيرة ) وهي ما ينقطع ثمرها في بعض إبانه من السنة ( كذلك ) يشترط في السلم فيها الشروط السابقة في الحائط المعين ( أو ) هي مثله ( إلا في وجوب تعجيل النقد ) أي رأس المال ( فيها ) لأن السلم فيها مضمون في الذمة لاشتمالها على عدة حوائط بخلاف السلم في المعين فلا يجب تعجيل النقد فيه بل يجوز تأخيره أكثر من ثلاثة أيام لأنه بيع معين وتسميته سلما مجاز ( أو تخالفه فيه ) أي في وجوب تعجيل النقد فيها ( وفي السلم ) فيها ( لمن لا ملك له ) في القرية الصغيرة دون الحائط ( تأويلات وإن انقطع ما ) أي مسلم فيه ( له إبان ) أي وقت معين يأتي فيه وهذا في السلم الحقيقي ( أو من قرية ) مأمونة ولو صغيرة قبل قبض شيء منه ( خير المشتري في الفسخ ) وأخذ رأس ماله ( و ) في ( الإبقاء ) لقابل إلا أن يكون التأخير بسبب المشتري فينبغي عدم تخييره لظلمه البائع بالتأخير فتخييره زيادة ظلم قاله ابن عبد السلام فيجب التأخير ( وإن قبض البعض ) وانقطع بجائحة أو هروب المسلم إليه أو تفريط المشتري حتى مضى الإبان [ ص: 215 ] ( قوله وجب التأخير ) بالباقي لقابل لأن السلم تعلق بذمة البائع فلا يبطل بانقضاء الأجل كالدين ( إلا أن يرضيا ) معا ( بالمحاسبة ) بحسب المكيلة لا القيمة فيجوز إن كان رأس المال مثليا بل ( ولو كان رأس المال مقوما ) كحيوان وثياب لجواز الإقالة على غير رأس المال

التالي السابق


( قوله أو عدمه ) أي بسرقته ( قوله فإن انقطع ثمر الحائط المعين ) أي ومثله ثمر القرية الغير المأمونة على ما استظهر وسواء كان الانقطاع بجائحة أو بفوات الإبان على الصواب فقول الشارح بجائحة أي أو بفوات الإبان قال طفي تعبيره بالانقطاع كالمدونة ظاهر في انقطاع إبانه وكذا لو تلف بجائحة فالمدار على عدم قبض الكل قال ابن عبد السلام وإنما وجب الرجوع بحصة ما بقي لأن المبيع في هذه المسألة معين فيكون حكمه حكم سائر المعينات من فسخ البيع لتلفه أو عدمه قبل قبضه وليس من السلم في شيء ولذا قال في المدونة إذا قبض بعض سلمه ثم انقطع ثمر ذلك الحائط لزمه ما أخذه بحصته من الثمن ورجع بحصة ما بقي ولا يختلف في هذا كما اختلف في المضمون إذا انقطع إبانه قبل استيفاء الثمن وهو الآتي في كلام المصنف فقول عج ومن تبعه هذا إذا كان الانقطاع بجائحة وأما بفوات الإبان فسيأتي حكمه وهم لأن ما يأتي في المضمون وما في حكمه وهو القرية المأمونة ا هـ بن .

( قوله بعد قبض بعضه ) أي وأما لو انقطع ثمر الحائط بجائحة أو بفوات إبان قبل أن يأخذ شيئا فإنه يتعين الفسخ أيضا ولا يجوز البقاء لقابل ليأخذ من ثمره ( قوله ورجع بحصة ما بقي ) أي من الثمن ( قوله عاجلا اتفاقا ) ظاهره أن تعجيل الرجوع بما بقي واجب وأنه من حق الله تعالى وليس كذلك وعبارة ابن يونس كما في المواق ورجع بحصة ما بقي من الثمن معجلا بالقضاء ومعناه أنه إن طلب تعجيله يقضي له به وله أن لا يأخذه عاجلا وينتظره لأن ذلك من حقه ولا محذور فيه وإنما منع من البقاء لقابل ليأخذ من ثمره ا هـ والحاصل أنه متى انقطع ثمر الحائط بجائحة أو بفوات إبان فإنه يتعين الفسخ ولا يجوز البقاء لقابل حصل الانقطاع قبل قبض شيء منه أو بعد أن قبض بعضه إلا أنه في هذه إنما يفسخ العقد فيما بقي من غير قبض وكل هذا إذا كان المسلم قد دفع الثمن فإن كان لم يدفعه جاز البقاء لقابل إذا تراضيا عليه لأنه لا يلزم عليه فسخ دين في دين كذا في خش ( قوله وله أخذ بدله ) أي بدل ما بقي له من الثمن أي عاجلا ولا يؤخر ما يأخذه من البدل قال ابن القاسم فإن تأخر قبض ما يأخذه بدلا عن ثمن ما بقي له لم يجز لأنه من فسخ الدين في الدين وقوله وله أخذ بدله ولو طعاما لا يقال [ ص: 214 ] أنه يلزم عليه بيع الطعام قبل قبضه لأنا نقول العقدة قد انفسخت فيما لم يقبض فما يأخذه من طعام أو غيره ليس ثمنا عن الطعام وإنما هو عوض عما في الذمة ( قوله وانقطع ) أي ثمر الحائط بجائحة أو بفوات إبانه ( قوله فنسبة الباقي للمأخوذ ) أي فنسبة قيمة الباقي لقيمة المأخوذ مع قيمة الباقي الثلث وذلك لأن قيمة الباقي تنسب لمجموع القيمتين بدليل قوله الثلث ولو قال الشارح فتضم قيمة الباقي لقيمة المأخوذ ثم تنسب قيمة الباقي لمجموع القيمتين تكون ثلثا فيرجع بثلث الثمن قل أو كثر كان أوضح .

( قوله فيرجع بنسبة ما بقي منها ) أي من المكيلة لما أخذه منها وما لم يأخذه ففي المثال السابق تضم الخمسين المأخوذة للخمسين التي لم تؤخذ يكون المجموع مائة ثم تنسب ما لم يؤخذ للمجموع يكون نصفا فيرجع بنصف الثمن ( قوله تأويلان ) الأول للقابسي والثاني لابن مزين قال طفي وتعقبه المواق بأنه لم يجد من ذكر هذين التأويلين على المدونة وهو صواب فكان الأولى أن يعبر بقولان ( قوله حيث لم يشترط ) أي المسلم وقوله عليه أي على المسلم إليه وقوله أخذه في نحو اليومين أي أخذه في مدة لا تختلف فيها القيمة فإن اشترط ذلك عليه وأخذ البعض وانقطع ثمر الحائط قبل أخذ الباقي رجع بحسب المكيلة اتفاقا ومثل الاشتراط المذكور ما إذا كان الثمر يجنى في أوقات مختلفة وكان الشأن أنه لا يباع إلا جملة واحدة فإذا قبض المسلم البعض وانقطع ثمر الحائط قبل أخذ الباقي رجع بحسب المكيلة اتفاقا كما في خش ( قوله وهل القرية الصغيرة كذلك ) أي وهل السلم في قدر من ثمن القرية كالسلم في قدر من ثمر الحائط المعين من كل وجه فيشترط في السلم فيها الشروط السابقة في الحائط المعين ويدخل في التشبيه ما لو أسلم في قدر من ثمر قرية صغيرة وقبض البعض ثم فات الباقي بجائحة فيتعين الفسخ والمحاسبة بالباقي وحيث رجع بحصة ما بقي فهل يرجع على حسب القيمة أو على حسب المكيلة تأويلان وهذا قول اللخمي وقيل إنه يتعين البقاء لقابل ما لم يتراضيا بالمحاسبة فإذا رضيا بها جاز الرجوع بثمن الباقي وهل الرجوع بالثمن على حسب القيمة أو على حسب المكيلة تأويلان واعتمد عج القول الثاني فلو تنازعا فطلب أحدهما الفسخ وطلب الآخر البقاء لقابل كان القول قول من طلب البقاء ا هـ تقرير شيخنا عدوي ( قوله يشترط في السلم فيها ) ( الشروط السابقة في الحائط المعين ) أي من بدو الصلاح وسقيها وبيان كيفية القبض وأن يسلم لمالك حائط وأن يشترط الشروع في الأخذ وأن يشترط أخذه بسرا أو رطبا ولا يجب تعجيل رأس المال ( قوله لاشتمالها على عدة حوائط ) أي فلا يدري المسلم من أيها يأخذ سلمه فأشبه السلم الحقيقي .

( قوله وفي السلم ) أي وفي جواز السلم فيها لمن لا ملك له بخلاف الحائط المعين فإنه لا يجوز أن يسلم لمن لا ملك له ( قوله تأويلات ) الأول ظاهر المدونة والثاني لأبي محمد والثالث لبعض القرويين ا هـ بن ( قوله وهذا في السلم الحقيقي ) أي وهو السلم في الذمة في غير الحائط المعين وغير القرية ( قوله أو من قرية ) عطف على مقدر أي وإن انقطع ما له إبان من غير قرية أو من قرية مأمونة أي وأما القرية غير المأمونة فمسكوت عنها أو داخلة تحت حكم التشبيه في قوله وهل القرية الصغيرة إلخ فيتحتم في قطع ثمرها الفسخ كما في الحائط المعين ولو كان بالجائحة كما عند اللخمي وأما الحائط المعين فلا يدخل هنا بحال خلافا لعج ومن تبعه بل يتعين فيه الفسخ اتفاقا حكاه اللخمي وابن يونس وهو داخل في قوله سابقا وإن انقطع رجع بحصة ما بقي إلخ لما علمت أن المراد من انقطاع الثمرة أعم من أن يكون بجائحة أو بفوات الإبان انظر بن ( قوله فيجب التأخير ) أي ويتعين البقاء لقابل [ ص: 215 ] قوله وجب التأخير بالباقي ) أي للعام القابل ليأخذ من ثمره ( قوله إلا أن يرضيا معا بالمحاسبة بحسب المكيلة لا القيمة فيجوز ) هذا ظاهر إذا كان عدم القبض لجائحة أو لهروب المسلم إليه لانتفاء تهمة قصد البيع والسلف أما إذا كان عدم القبض لتفريط المشتري فلا يجوز تراضيهما على المحاسبة لاتهامهما على قصد البيع والسلف وإذا تراضيا على المحاسبة فلا يجوز أن يأخذ ببقية رأس ماله عرضا ولا غيره لما فيه من بيع الطعام قبل قبضه قاله أبو بكر بن عبد الرحمن والتونسي ( قوله بحسب المكيلة ) أي وتكون المحاسبة إذا تراضيا عليها بحسب المكيلة لا القيمة ( قوله ولو كان رأس المال مقوما ) هذه مبالغة في المفهوم أي فإن تراضيا على المحاسبة جاز عدم البقاء لقابل هذا إذا كان رأس المال مثليا بل ولو كان مقوما كحيوان وثياب فإذا تحاسبا رد منها ما قيمته قدر قيمة ما لم يقبض من السلم فإذا أسلمه أربعة أثواب في عشرة قناطير بلح فقبض منها خمسة وانقطع الثمر فإنه يرد ثوبين قيمتها قيمة ما لم يقبض إذا تراضيا بالمحاسبة ورد بلو قول سحنون إنما يجوز تراضيهما على المحاسبة إذا كان رأس المال مثليا وأما لو كان مقوما فإنه يمنع لعدم الأمن من الخطأ في التقويم لأنهما إذا اتفقا على رد ثوب بعينه عوضا عما لم يقبض احتمل بأن يكون ذلك الثوب المردود مساويا لما بقي من المسلم فيه فيجوز أو مخالفا له بالقلة أو الكثرة فيمتنع لأنها إقالة في ذلك الشيء على خلاف رأس المال وهي بيع فيلزم بيع الطعام قبل قبضه اللهم إلا أن يرد من الأثواب جزءا شائعا يكون المشتري شريكا به للبائع فيسلما من احتمال الخطأ في التقويم فيجوز باتفاقهما .

( قوله لجواز الإقالة على غير رأس المال ) فيه أن الإقالة على غير رأس المال لا تجوز لأنها حينئذ بيع وبيع الطعام قبل قبضه ممنوع فلعل الأولى أن يقول لجواز الإقالة في بعض المبيع ولو طعاما إذا كان الثمن مثليا ولم يغب عليه أو كان مقوما كما مر




الخدمات العلمية