الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 358 ] قال تعالى : ( إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار ( 46 ) ) .

قوله تعالى : ( بخالصة ) : يقرأ بالإضافة ، وهي هاهنا من باب إضافة الشيء إلى ما يبينه ؛ لأن الخالصة قد تكون ذكرى وغير ذكرى .

و ( ذكرى ) : مصدر ، و " خالصة " : مصدر أيضا ، معنى الإخلاص كالعافية .

وقيل : " خالصة " مصدر مضاف إلى المفعول ؛ أي بإخلاصهم ذكرى الدار . وقيل : " خالصة " بمعنى خلوص ؛ فيكون مضافا إلى الفاعل ؛ أي بأن خلصت لهم ذكرى الدار .

وقيل : " خالصة " اسم فاعل ، تقديره : بخالص ذكرى الدار ؛ أي خالص من أن يشاب بغيره .

وقرئ بتنوين " خالصة " فيجوز أن يكون " ذكرى " بدلا منها . وأن يكون في موضع نصب مفعول خالصة ، أو على إضمار أعني . وأن يكون في موضع رفع فاعل " خالصة " أو على تقدير : هي ذكرى .

وأما إضافة " ذكرى " إلى " الدار " فمن إضافة المصدر إلى المفعول ؛ أي بذكرهم الدار الآخرة .

وقيل : هي في المعنى ظرف ؛ أي ذكرهم في الدار الدنيا ؛ فهو إما مفعول به على السعة ، مثل يا سارق الليلة ، أو على حذف حرف الجر ، مثل : ذهبت الشام .

قال تعالى : ( هذا ذكر وإن للمتقين لحسن مآب ( 49 ) جنات عدن مفتحة لهم الأبواب ( 50 ) ) .

قوله تعالى : ( جنات عدن ) : هي بدل من " حسن مآب " .

و ( مفتحة ) حال من جنات ، في قول من جعلها معرفة لإضافتها إلى عدن ، وهو علم ؛ كما قالوا : جنة الخلد ، وجنة المأوى .

وقال آخرون : هي نكرة ، والمعنى : جنات إقامة ، فتكون " مفتحة " وصفا .

وأما ارتفاع ( الأبواب ) ففيه ثلاثة أوجه ؛ أحدها : هو فاعل " مفتحة " والعائد محذوف ؛ أي مفتحة لهم الأبواب منها ، فحذف كما حذف في قوله : ( فإن الجنة هي المأوى ) [ النازعات : 41 ] أي لهم والثاني : هي بدل من الضمير ( مفتحة ) وهو ضمير الجنات و " الأبواب " غير أجنبي منها ؛ لأنها من الجنة تقول : فتحت الجنة ، وأنت تريد [ ص: 359 ] أبوابها ومنه : ( وفتحت السماء فكانت أبوابا ) [ النبأ : 19 ] .

والثالث : كالأول ، إلا أن الألف واللام عوض من الهاء العائدة ؛ وهو قول الكوفيين ؛ وفيه بعد .

قال تعالى : ( متكئين فيها يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب ( 51 ) ) .

قوله تعالى : ( متكئين ) : هو حال من المجرور في " لهم " والعامل : " مفتحة " .

ويجوز أن يكون حالا من " المتقين " لأنه قد أخبر عنهم قبل الحال .

وقيل : هو حال من الضمير في " يدعون " وقد تقدم على العامل فيه .

قال تعالى : ( هذا ما توعدون ليوم الحساب ( 53 ) ) .

قوله تعالى : ( ما توعدون ) : بالياء على الغيبة ، والضمير للمتقين ، وبالتاء ، والتقدير : وقيل لهم هذا ما توعدون ، والمعنى : هذا ما وعدتم .

قال تعالى : ( إن هذا لرزقنا ما له من نفاد ( 54 ) ) .

قوله تعالى : ( ماله من نفاد ) : الجملة حال من الرزق ، والعامل الإشارة ؛ أي إن هذا لرزقنا باقيا .

قال تعالى : ( هذا وإن للطاغين لشر مآب ( 55 ) جهنم يصلونها فبئس المهاد ( 56 ) ) .

قوله تعالى : ( هذا ) أي الأمر هذا . ثم استأنف فقال : " وإن للطاغين " .

و ( جهنم ) : بدل من " شر " .

و ( يصلونها ) : حال العامل فيه الاستقرار في قوله تعالى : " للطاغين " .

وقيل : التقدير : يصلون جهنم ، فحذف الفعل لدلالة ما بعده عليه .

قال تعالى : ( هذا فليذوقوه حميم وغساق ( 57 ) ) .

قوله تعالى : ( هذا ) : هو مبتدأ ، وفي الخبر وجهان :

[ ص: 360 ] أحدهما : ( فليذوقوه ) مثل قولك : زيد اضربه .

وقال قوم : هذا ضعيف من أجل الفاء ؛ وليست في معنى الجواب ، كالتي في قوله : ( والسارق والسارقة فاقطعوا ) . فأما ( حميم ) على هذا الوجه فيجوز أن يكون بدلا من هذا ، وأن يكون خبر مبتدأ محذوف ؛ أي هو حميم ، وأن يكون خبرا ثانيا .

والوجه الثاني : أن يكون ( حميم ) خبر ( هذا ) ، ( فليذوقوه ) هذا ، ثم استأنف فقال ( حميم ) أي هو حميم .

وأما ( غساق ) فيقرأ بالتشديد ، مثل كفار وصبار ؛ وبالتخفيف اسم للمصدر ؛ أي ذو غسق ، أو يكون فعال بمعنى فاعل .

التالي السابق


الخدمات العلمية