الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون ( 75 ) فلا يحزنك قولهم إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون ( 76 ) )

يقول - تعالى ذكره - : لا تستطيع هذه الآلهة نصرهم من الله إن أراد بهم سوءا ، ولا تدفع عنهم ضرا .

وقوله ( وهم لهم جند محضرون ) يقول : وهؤلاء المشركون لآلهتهم جند محضرون .

واختلف أهل التأويل في تأويل قوله ( محضرون ) وأين حضورهم إياهم . فقال بعضهم : عنى بذلك وهم لهم جند محضرون عند الحساب .

ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله ( وهم لهم جند محضرون ) قال : عند الحساب .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : وهم لهم جند محضرون في الدنيا يغضبون لهم .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( لا يستطيعون نصرهم ) الآلهة ( وهم لهم جند محضرون ) والمشركون يغضبون للآلهة في الدنيا ، وهي لا تسوق إليهم خيرا ، ولا تدفع عنهم سوءا ، إنما هي أصنام .

[ ص: 553 ] وهذا الذي قاله قتادة أولى القولين عندنا بالصواب في تأويل ذلك ؛ لأن المشركين عند الحساب تتبرأ منهم الأصنام ، وما كانوا يعبدونه ، فكيف يكونون لها جندا حينئذ ، ولكنهم في الدنيا لهم جند يغضبون لهم ، ويقاتلون دونهم .

وقوله تعالى ( فلا يحزنك قولهم ) يقول - تعالى ذكره - لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - : فلا يحزنك يا محمد قول هؤلاء المشركين بالله من قومك لك : إنك شاعر ، وما جئتنا به شعر ، ولا تكذيبهم بآيات الله وجحودهم نبوتك .

وقوله ( إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون ) يقول - تعالى ذكره - : إنا نعلم أن الذي يدعوهم إلى قيل ذلك الحسد ، وهم يعلمون أن الذي جئتهم به ليس بشعر ، ولا يشبه الشعر ، وأنك لست بكذاب ، فنعلم ما يسرون من معرفتهم بحقيقة ما تدعوهم إليه ، وما يعلنون من جحودهم ذلك بألسنتهم علانية .

التالي السابق


الخدمات العلمية