الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات أي: كل سورة منها مثل سورة منه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فإلم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنـزل بعلم الله أي: الله عالم بإنزاله، وأنه حق من عنده.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: فاعلموا أن ما فيه من الإخبار عن الغيوب دليل على أنه من عند الله.

                                                                                                                                                                                                                                      والضمير في {لكم} للمؤمنين، وفي {فاعلموا} للجميع؛ أي: فليعلم الجميع أنما أنزل بعلم الله، قاله مجاهد.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هما للمشركين؛ والمعنى: فإن لم يستجب لكم من تدعونه إلى المعاونة، ولا تهيأت لكم المعارضة؛ فاعلموا أنما أنزل بعلم الله.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: الضمير في {لكم} للنبي صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين، وفي {فاعلموا} للمشركين.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 385 ] وقيل: هو كله للنبي صلى الله عليه وسلم، وخوطب بخطاب الجميع تعظيما له.

                                                                                                                                                                                                                                      وأن لا إله إلا هو أي: واعلموا أن لا إله إلا هو.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها : الآيتين: هذا عام في اللفظ، خاص في الكفار؛ بدليل قوله: أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار ، وقد تقدم نظائره.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه : [قال قتادة، وعكرمة، وغيرهما: المعنى: أفمن كان على بينة من ربه كمن يريد الحياة الدنيا وزينتها؟

                                                                                                                                                                                                                                      والمراد في قوله: أفمن كان على بينة من ربه النبي صلى الله عليه وسلم، والهاء في {ربه} تعود عليه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ويتلوه شاهد منه : قال ابن عباس، وغيره: (الشاهد) : جبريل عليه السلام، فالهاء في {منه} لله تعالى.

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد: (الشاهد) : ملك مع النبي صلى الله عليه وسلم من عند الله تعالى يحفظه.

                                                                                                                                                                                                                                      علي رضي الله عنه، وغيره: (الشاهد) : لسانه؛ فالمعنى: ويتلو القرآن شاهد من محمد صلى الله عليه وسلم؛ وهو لسانه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: إن الذي على بينة من ربه: من اتبع النبي صلى الله عليه وسلم، ويتلوه شاهد من الله تعالى؛ وهو النبي صلى الله عليه وسلم، قاله الحسين بن علي رضي الله عنه، وابن زيد.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 386 ] وقيل: (الشاهد) : الإنجيل، يتلو القرآن بالتصديق، فالهاء في {منه} لله تعالى، وقوله: ومن قبله كتاب موسى [على هذا معناه: ومن قبل الإنجيل كتاب موسى].

                                                                                                                                                                                                                                      الزجاج: المعنى: ويتلوه من قبله كتاب موسى؛ لأن النبي صلى الله عليه موصوف في التوراة والإنجيل.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: (الشاهد) : إعجاز القرآن، فالهاء في {منه} للقرآن.

                                                                                                                                                                                                                                      وهي في يؤمنون به يجوز أن تكون للقرآن، ويجوز أن تكون للنبي صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن قرأ: {ومن قبله كتاب موسى} ؛ بالنصب؛ فهو معطوف على الهاء في {يتلوه} ؛ والمعنى: ويتلو كتاب موسى جبريل عليه السلام؛ أي: يقرؤه، وكذلك قال ابن عباس: المعنى: ومن قبله تلا جبريل كتاب موسى على موسى، ويجوز على ما ذكره ابن عباس أيضا من هذا القول: أن يرفع {كتاب} على أن يكون المعنى: ومن قبله كتاب موسى كذلك؛ أي: تلاه جبريل عليه السلام على موسى؛ كما تلا القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                                                                      ومن يكفر به من الأحزاب يعني: من الملل كلها، عن قتادة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ويقول الأشهاد يعني: الملائكة الحفظة، عن مجاهد، وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 387 ] الضحاك: هم الأنبياء والمرسلون.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: الملائكة، والأنبياء، والعلماء.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض أي: بهرب ولا استخفاء من الله تعالى إذا أراد عقابهم، [وخص الأرض على ما جرت به عادتهم من قولهم: (لا وزر لك مني، ولا نفق، ولا معقل) ، فأخبر أن جميع ما في الأرض لا يمنعهم منه].

                                                                                                                                                                                                                                      يضاعف لهم العذاب ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون : قيل: إن {ما} نافية، فالوقف على {العذاب} على هذا كاف؛ والمعنى: ما كانوا يستطيعون في الدنيا أن يسمعوا سمعا ينتفعون به، ولا أن يبصروا إبصار مهتد.

                                                                                                                                                                                                                                      [وقيل: المعنى: ما كانوا يستطيعون أن يسمعوا كلام النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أن ينظروا إليه؛ لشدة عداوتهم إياه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: إن الإخبار بذلك عن آلهتهم].

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 388 ] وقيل: إن {ما} ظرف؛ والمعنى: يضاعف لهم العذاب أبدا؛ أي: وقت استطاعتهم السمع والبصر، والله تعالى يجعلهم في جهنم مستطيعي ذلك أبدا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: يضاعف لهم العذاب بما كانوا يستطيعون السمع، وبما كانوا يبصرون، ولم يستعملوا ذلك في استماع الحق وإبصاره.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون : معنى لا جرم عند الخليل وسيبويه: حق، فــ{لا} و {جرم} كلمة واحدة تبنى على الفتح.

                                                                                                                                                                                                                                      وعن الخليل أيضا: أن معناها: لا بد، ولا محالة.

                                                                                                                                                                                                                                      الكسائي: معناها: لا صد، ولا منع.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: معناه: لا قطع عن أنهم في الآخرة هم الأخسرون، وأصل {جرم} من معنى القطع.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: لا قطع قاطع عن ذلك، فحذف الفاعل حيث كثر استعماله، فصار كالمثل.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 389 ] وذهب الزجاج إلى أنه لا رد لما قالوه، و {جرم} بمعنى: كسب؛ أي: كسب ذلك الفعل لهم الخسران.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وأخبتوا إلى ربهم : معنى: {أخبتوا} في قول ابن عباس: أنابوا، وفي قول مجاهد: اطمأنوا، وفي قول قتادة: خشعوا وخضعوا.

                                                                                                                                                                                                                                      الحسن: (الإخبات) : الخشوع؛ للمخافة الثابتة في القلب.

                                                                                                                                                                                                                                      وأصل (الإخبات) : الاستواء، من (الخبت) ؛ وهو الأرض المستوية الواسعة، فـ (الإخبات) : الخشوع، والاطمئنان، والإنابة إلى الله تعالى، المستمر على ذلك على استواء.

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى: إلى ربهم : لربهم.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية