الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          واتقوا الله الذي تساءلون به قرأ عاصم ، وحمزة ، والكسائي " تساءلون " بتخفيف السين ، وأصله : تتساءلون ، فحذفت إحدى التاءين للتخفيف ، والباقون بتشديدها بإدغام التاء في السين لتقاربهما في المخرج ، وكل من الوجهين فصيح معهود عن العرب في صيغة تتفاعلون .

                          والمعنى : اتقوا الله الذي يسأل به بعضكم بعضا بأن يقول : سألتك بالله أن تقضي هذه الحاجة ، يرجو بذلك إجابة سؤاله . فمعنى سؤاله بالله سؤاله بإيمانه به وتعظيمه إياه ، والباء فيه للسبب ، أي أسألك بسبب ذلك أن تفعل كذا . وأما قوله - تعالى - : والأرحام فقد قرأه الجمهور بالنصب . قال أكثر المفسرين : معطوف على الاسم الكريم ، أي واتقوا الأرحام أن [ ص: 273 ] تقطعوها ، أو اتقوا إضاعة حق الأرحام بأن تصلوها ، ولا تقطعوها ، وجعله بعضهم عطفا على محل الضمير المجرور في ( به ) ، واختاره الأستاذ الإمام . وجوز الواحدي نصبه بالإغراء كالقول المأثور عن عمر ( رضي الله عنه ) : يا سارية الجبل . أي الزم الجبل ولذ به . والمعنى : واحفظوا الأرحام ، وأدوا حقوقها . وقرأه حمزة وحده بالجر ، قيل : إنه على تقدير تكرير الجار ، أي واتقوا الله الذي تساءلون به وبالأرحام ، وقد سمع عطف الاسم المظهر على الضمير المجرور بدون إعادة الجار الذي هو الأكثر ، وأنشد سيبويه في ذلك قولهم :


                          نعلق في مثل السواري سيوفنا وما بينها والكعب غوط نفانف



                          وقولهم :


                          فاليوم قد بت تهجونا وتشتمنا     فاذهب فما بك والأيام من عجب



                          وقد اعترض النحاة البصريون على حمزة في قراءته هذه ; لأن ما ورد قليلا عن العرب لا يعدونه فصيحا ، ولا يجعلونه قاعدة بل يسمونه شاذا ، وهذا من اصطلاحاتهم ، ومثل هذه اللغات التي لم ينقل منها شواهد كثيرة قد تكون فصيحة ولكن هؤلاء النحاة مفتنون بقواعدهم ، وقد نبه الأستاذ الإمام على خطئهم في تحكيمها في كتاب الله - تعالى - على أنه ليس لهم أن يجعلوا قواعدهم حجة على عربي ما ، وقال هنا : إن الأرحام إما منصوب عطفا على لفظ الجلالة وإما مجرور عطفا على الضمير في ( به ) وهو جائز بنص هذه الآية على هذه القراءة ، وهي متواترة خلافا لبعضهم . وقال الرازي هنا : والعجب من هؤلاء النحاة أنهم يستحسنون إثبات هذه اللغة بهذين البيتين المجهولين . ولا يستحسنون إثباتها بقراءة حمزة ، ومجاهد مع أنهما من أكابر علماء السلف في علم القرآن .

                          هذا ، وإن المنكرين على حمزة جاهلون بالقراءات ، ورواياتها متعصبون لمذهب البصريين من النحاة ، والكوفيون يرون مثل هذا العطف مقيسا ، ورجح مذهبهم هذا بعض أئمة البصريين ، وأطال بعض العلماء في الانتصار له .

                          وقد اعترض بعضهم على قراءة حمزة من جهة المعنى ، فقالوا : إن ذكره في مقام الأمر بالتقوى ، والترغيب فيها مخل بالبلاغة لأنه أجنبي من هذا المقام ، ثم إن فيه تقريرا لما كانت عليه الجاهلية من التساؤل بالأرحام كما يتساءل بالله - تعالى - ، وهذا مما منعه الإسلام بدليل حديث الصحيحين : من كان حالفا فليحلف بالله ، أو ليصمت وأجيب عن الأول بأن ذكر التساؤل بالأرحام ليس أجنبيا من مقام الأمر بالتقوى هنا ; لأن هذا الأمر تمهيد لحفظ حقوق القرابة والرحم ، والتزام الأحكام التي جاءت بها السورة في ذلك ، حتى إن بعض المفسرين قد أرجع قراءة الجمهور إلى قراءة حمزة بجعل نصب ( والأرحام ) بالعطف على محل الضمير من قوله : [ ص: 274 ] تساءلون به كما تقدم . وأجيب عن الثاني بأن الحلف بغير الله ليس ممنوعا مطلقا ، وإنما يمنع الحلف الذي يعتقد وجوب البر به لا ما قصد به محض التأكيد على طريقة العرب في التأكيد بصيغة القسم كالتأكيد بأن ، وأقول : إن هذا الجواب مبني على كون التساؤل بالأرحام هو قسما بها ، وهو خطأ ، فإن السؤال بالله غير القسم بالله ، والسؤال بالرحم غير الحلف بها . وقد أوضح هذا الفرق شيخ الإسلام ابن تيمية في القاعدة التي حرر فيها مسألة التوسل والوسيلة ، فقال ، وأجاد ، وحقق كعادته جزاه الله عن دينه ، ونفسه خير الجزاء ما نصه : " وأما السؤال بالمخلوق إذا كانت فيه باء السبب ( فهي ) ليست باء القسم ، وبينهما فرق ، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بإبرار القسم ، وثبت عنه في الصحيحين أنه قال : إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره قال ذلك لما قال أنس بن النضر : أتكسر ثنية الربيع ؟ : لا والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها . فقال : يا أنس ، كتاب الله القصاص فرضي القوم وعفوا ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره وقال : رب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره رواه مسلم ، وغيره ، وقال : " ألا أخبركم بأهل الجنة ، كل ضعيف متضعف لو أقسم على الله لأبره ، ألا أخبركم بأهل النار ، كل جواظ زنيم متكبر " ، وهذا في الصحيحين وكذلك ( حديث ) أنس بن النضر ، والآخر من أفراد مسلم . . .

                          " والإقسام به على الغير أن يحلف المقسم على غيره ليفعل كذا ، فإن حنثه ، ولم يبر قسمه فالكفارة على الحالف لا على المحلوف عليه عند عامة الفقهاء ، كما لو حلف على عبده ، أو ولده ، أو صديقه ليفعلن شيئا ، ولم يفعله ، فالكفارة على الحالف الحانث ، وأما قوله : سألتك بالله أن تفعل كذا ، فهذا سؤال وليس بقسم ، وفي الحديث : من سألكم بالله فأعطوه ولا كفارة على هذا إذا لم يجب إلى سؤاله ، والخلق كلهم يسألون الله : مؤمنهم ، وكافرهم ، وقد يجيب الله دعاء الكفار ، فإن الكفار يسألون الله الرزق فيرزقهم ، ويسقيهم ، وإذا مسهم الضر في البحر ضل من يدعون إلا إياه ، فلما نجاهم إلى البر أعرضوا ، وكان الإنسان كفورا .

                          " وأما الذين يقسمون على الله فيبر قسمهم فإنهم ناس مخصوصون ، فالسؤال كقول السائل لله : " أسألك بأن لك الحمد ، أنت الله المنان بديع السماوات والأرض ، يا ذا الجلال والإكرام " ، و " أسألك بأنك أنت الله الأحد الصمد ، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد " ، و " أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك ، أو أنزلته في كتابك ، أو علمته أحدا من خلقك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك " فهذا سؤال الله - تعالى - بأسمائه ، وصفاته ، وليس ذلك إقساما عليه ، فإن أفعاله هي مقتضى أسمائه ، وصفاته ، فمغفرته ورحمته من مقتضى اسمه الغفور الرحيم ، وعفوه من مقتضى اسمه العفو .

                          ثم قال : " فإذا سئل المسئول بشيء والباء للسبب سئل بسبب يقتضي وجود المسئول ، [ ص: 275 ] فإذا قال : " أسألك بأن لك الحمد ، أنت الله المنان بديع السماوات والأرض " كان كونه محمودا منانا بديع السماوات والأرض يقتضي أن يمن على عبده السائل ، وكونه محمودا هو يوجب أن يفعل ما يحمد عليه ، وحمد العبد له سبب إجابة دعائه ; لهذا أمر المصلي أن يقول : " سمع الله لمن حمده " ، أي استجاب الله دعاء من حمده ، فالسماع هنا بمعنى الإجابة ، والقبول .

                          ثم قال : " وإذا قال السائل لغيره أسألك بالله فإنما سأله بإيمانه بالله ، وذلك سبب لإعطاء من سأله به ، فإنه - سبحانه - يحب الإحسان إلى الخلق لاسيما إن كان المطلوب كف الظلم ، فإنه يأمر بالعدل وينهى عن الظلم ، وأمره أعظم الأسباب في حض الفاعل ، فلا سبب أولى من أن يكون مقتضيا لمسببه من أمر الله - تعالى - ، وقد جاء فيه حديث رواه أحمد في مسنده ، وابن ماجه عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه علم الخارج إلى الصلاة أن يقول في دعائه : " وأسألك بحق السائلين عليك ، وبحق ممشاي هذا ، فإني لم أخرج أشرا ، ولا بطرا ، ولا رياء ، ولا سمعة ، ولكن خرجت اتقاء سخطك ، وابتغاء مرضاتك " ، فإن كان هذا صحيحا ، فحق السائلين عليه أن يجيبهم ، وحق العابدين له أن يثيبهم ، فهو حق أوجبه على نفسه لهم ، كما يسأل بالإيمان والعمل الصالح الذي جعله سببا لإجابة الدعاء كما في قوله - تعالى - : ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله [ 42 : 26 ] وكما يسأل بوعده ; لأن وعده يقتضي إنجاز ما وعده ، ومنه قول المؤمنين : ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار [ 3 : 193 ] وقوله : إنه كان فريق من عبادي يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين فاتخذتموهم سخريا حتى أنسوكم ذكري [ 23 : 109 ، 110 ] ويشبه هذا مناشدة النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر حيث يقول : اللهم أنجز لي ما وعدتني وكذلك ما في التوراة " أن الله - تعالى - غضب على بني إسرائيل فجعل موسى يسأل ربه ، ويذكر ما وعد به إبراهيم " فإنه سأله بسابق وعده لإبراهيم . ومن السؤال بالأعمال الصالحة سؤال الثلاثة الذين آووا إلى غار فسأل كل واحد منهم بعمل عظيم أخلص فيه لله ; لأن ذلك العمل مما يحبه الله ، ويرضاه محبة تقتضي إجابة صاحبه : هذا سأل ببره لوالديه ، وهذا سأل بعفته التامة ، وهذا سأل بأمانته ، وإحسانه ، وكذلك كان ابن مسعود يقول وقت السحر : " اللهم أمرتني فأطعتك ، ودعوتني فأجبتك ، وهذا سحر فاغفر لي " ، ومنه حديث ابن عمر أنه كان يقول على الصفا : " اللهم إنك قلت وقولك الحق ادعوني أستجب لكم وإنك لا تخلف الميعاد " ، ثم ذكر الدعاء المعروف عن ابن عمر أنه كان يقوله على الصفا .

                          " فقد تبين أن قول القائل : أسألك بكذا نوعان ، فإن الباء قد تكون للقسم ، وقد تكون [ ص: 276 ] للسبب ، فقد تكون قسما به على الله ، وقد تكون سؤالا بسببه . فأما الأول فالقسم بالمخلوقات لا يجوز على المخلوق ، فكيف على الخالق . وأما الثاني فهو السؤال بالمعظم كالسؤال بحق الأنبياء فهذا فيه نزاع ، وقد تقدم عن أبي حنيفة وأصحابه أنه لا يجوز ذلك . فنقول : قول السائل لله - تعالى - أسألك بحق فلان وفلان من الملائكة ، والأنبياء ، والصالحين ، وغيرهم ، أو بجاه فلان ، أو بحرمة فلان يقتضي أن هؤلاء لهم عند الله جاه صحيح ، فإن هؤلاء لهم عند الله منزلة ، وجاه ، وحرمة يقتضي أن يرفع الله درجاتهم ، ويعظم أقدارهم ، ويقبل شفاعتهم إذا شفعوا مع أنه - سبحانه - قال : من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه [ 2 : 255 ] ويقتضي أيضا أن من اتبعهم ، واقتدى بهم فيما سن له الاقتداء بهم فيه كان سعيدا ، ومن أطاع أمرهم الذي بلغوه عن الله كان سعيدا ، ولكن ليس نفس مجرد قدرهم ، وجاههم مما يقتضي إجابة دعائه إذا سأل الله بهم حتى يسأل الله بذلك ، بل جاههم ينفعه إذا اتبعهم ، وأطاعهم فيما أمروا به عن الله ، أو تأسى بهم فيما سنوه للمؤمنين ، وينفعه أيضا إذا دعوا له ، وشفعوا فيه ، فأما إذا لم يكن منهم دعاء ، ولا شفاعة ، ولا منه سبب يقتضي الإجابة لم يكن مستشفعا بجاههم ، ولم يكن سؤاله بجاههم نافعا له عند الله ، بل يكون قد سأل بأمر أجنبي عنه ليس سببا لنفعه ، ولو قال الرجل لمطاع كبير : أسألك بطاعة فلان لك وبحبك له على طاعتك ، وبجاهه عندك الذي أوجبته طاعته لك ، كان قد سأله بأمر أجنبي لا تعلق له به . فكذلك إحسان الله إلى هؤلاء المقربين ، ومحبته لهم ، وتعظيمه لأقدارهم مع عبادتهم له ، وطاعتهم إياه ، ليس في ذلك ما يوجب إجابة دعاء من يسأل بهم ، وإنما يوجب إجابة دعائه بسبب منه لطاعته لهم ، أو سبب منهم لشفاعتهم له ، فإذا انتفى هذا وهذا فلا سبب اهـ .

                          ثم قال في موضع آخر :

                          وقد تبين أن الإقسام على الله - سبحانه - بغيره لا يجوز ، ولا يجوز أن يقسم بمخلوق أصلا . وأما التوسل إليه بشفاعة المأذون لهم في الشفاعة فجائز . والأعمى كان قد طلب من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يدعو له كما طلب الصحابة منه الاستسقاء ، وقوله : " أتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة " أي بدعائه وشفاعته لي ; ولهذا كان تمام الحديث " اللهم فشفعه في " ، فالذي في الحديث متفق على جوازه ، وليس هو مما نحن فيه . وقد قال - تعالى - : واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام فعلى قراءة الجمهور بالنصب إنما يسألون بالله وحده [ ص: 277 ] لا بالرحم ، وتساؤلهم بالله - تعالى - يتضمن إقسام بعضهم على بعض بالله وتعاهدهم بالله . وأما على قراءة الخفض فقد قال طائفة من السلف : هو قولهم : أسألك بالله وبالرحم ، وهذا إخبار عن سؤالهم ، وقد يقال إنه ليس بدليل على جوازه ، فإن كان دليلا على جوازه فمعنى قوله : أسألك بالرحم ليس إقساما بالرحم ، والقسم هنا لا يسوغ لكن بسبب الرحم ، أي لأن الرحم توجب لأصحابها بعضهم على بعض حقوقا ، كسؤال الثلاثة لله - تعالى - بأعمالهم الصالحة ، وكسؤالنا بدعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - وشفاعته ، ومن هذا الباب ما روى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أن ابن أخيه عبد الله بن جعفر كان إذا سأله بحق جعفر أعطاه ، وليس هذا من باب الإقسام ، فإن الإقسام بغير جعفر أعظم ، بل من باب حق الرحم ; لأن حق الله إنما وجب بسبب جعفر ، وجعفر حقه على علي " اهـ .

                          وحاصل معنى الآية : أن الله - تعالى - يقول : يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي أنشأكم ورباكم بنعمه ، اتقوه في أنفسكم ، ولا تعتدوا حدوده فيما شرعه من الحقوق والآداب لكم لإصلاح شأنكم ، فإنه خلقكم من نفس واحدة ، فكنتم جنسا واحدا ، تقوم مصلحته بتعاون أفراده ، واتحادهم ، وحفظ بعضهم حقوق بعض . فتقواه - عز وجل - فيها شكر لربوبيته ، وفيها ترقية لوحدتكم الإنسانية ، وعروج للكمال فيها . واتقوا الله في أمره ، ونهيه في حقوق الرحم التي هي أخص من حقوق الإنسانية بأن تصلوا الأرحام التي أمركم بوصلها ، ، وتحذروا ما نهاكم عنه من قطعها ، اتقوه في ذلك لما في تقواه من الخير لكم الذي يذكركم به تساؤلكم فيما بينكم باسمه الكريم ، وحقه على عباده ، وسلطانه الأعلى على قلوبهم ، وبحقوق الرحم ، وما في هذا التساؤل من الاستعطاف ، والإيلاف ، فلا تفرطوا في هاتين الرابطتين بينكم : رابطة الإيمان بالله ، وتعظيم اسمه ، ورابطة وشيجة الرحم ; فإنكم إذا فرطتم في ذلك أفسدتم فطرتكم ، فتفسد البيوت والعشائر ، والشعوب ، والقبائل .إن الله كان عليكم رقيبا أي مشرفا على أعمالكم ، ومناشئها من نفوسكم ، وتأثيرها في أحوالكم لا يخفى عليه شيء من ذلك ، فهو يشرع لكم من الأحكام ما يصلح شأنكم ويعدكم به للسعادة في الدنيا والآخرة . " الرقيب " : وصف بمعنى الراقب من: رقبه إذا أشرف عليه من مكان عال ، ومنه المرقب للمكان الذي يشرف منه الإنسان على ما دونه . وأطلق بمعنى الحفظ ، لأنه من لوازمه ، وبه فسره هنا مجاهد . وقال الأستاذ الإمام : إن الله تعالى ذكرنا هنا بمراقبته لنا لتنبيهنا إلى الإخلاص ، يعني أن من تذكر أن الله مشرف عليه مراقب لأعماله كان جديرا بأن يتقيه ، ويلتزم حدوده .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية