الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتابه وكانت من القانتين .

عطف على ( امرأة فرعون ) ، أي وضرب الله مثلا للذين آمنوا مريم ابنة عمران ، فضرب مثلين في الشر ومثلين في الخير .

ومريم ابنة عمران تقدم الكلام على نسبها وكرامتها في سورة آل عمران وغيرها ، [ ص: 378 ] وقد ذكر الله اسمها في عدة مواضع من القرآن وقال ابن التلمساني في شرح الشفاء لعياض : لم يذكر الله امرأة في القرآن باسمها إلا مريم على أنها أمة الله إبطالا لعقائد النصارى .

والإحصان : جعل الشيء حصينا ، أي لا يسلك إليه . ومعناه : منعت فرجها عن الرجال .

وتفريع ( فنفخنا فيه من روحنا ) تفريع العطية على العمل لأجله . أي جزيناها على إحصان فرجها ، أي بأن كون الله فيه نبيئا بصفة خارقة للعادة فخلد بذلك ذكرها في الصالحات .

والنفخ : مستعار لسرعة إبداع الحياة في المكون في رحمها . وإضافة الروح إلى ضمير الجلالة لأن تكوين المخلوق الحي في رحمها كان دون الأسباب المعتادة ، أو أريد بالروح الملك الذي يؤمر بنفخ الأرواح في الأجنة ، فعلى الأول تكون ( من ) تبعيضية ، وعلى الثاني تكون ابتدائية ، وتقدم قوله تعالى ( فنفخنا فيها من روحنا ) في سورة الأنبياء .

وتصديقها : يقينها بأن ما أبلغ إليها الملك من إرادة الله حملها .

وكلمات ربها : هي الكلمات التي ألقاها إليها بطريق الوحي .

و ( كتابه ) يجوز أن يكون المراد به الإنجيل الذي جاء به ابنها عيسى وهو وإن لم يكن مكتوبا في زمن عيسى فقد كتبه الحواريون في حياة مريم .

ويجوز أن يراد ب ( كتابه ) ، أراده الله وقدره أن تحمل من دون مس رجل إياها من باب وكان كتابا مفعولا .

والقانت : المتمحض للطاعة .

يجوز أن يكون و ( من ) للابتداء .

والمراد بالقانتين : المكثرون من العبادة . والمعنى أنها كانت سليلة قوم صالحين ، أي فجاءت على طريقة أصولها في الخير والعفاف .


وهل ينبت الخطي إلا وشيجه

[ ص: 379 ] وهذا إيماء إلى تبرئتها مما رماها به القوم البهت .

وهذا نظير قوله تعالى والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات أولئك مبرءون مما يقولون .

ويجوز أن تجعل ( من ) للتبعيض ، أي هي بعض من قنت لله . وغلبت صيغة جمع الذكور ولم يقل : من القانتات ، جريا على طريقة التغليب وهو تخريج الكلام على مقتضى الظاهر . وهذه الآية مثال في علم المعاني .

ونكتته هنا الإشارة إلى أنها في عداد أهل الإكثار من العبادة وأن شأن ذلك أن يكون للرجال لأن نساء بني إسرائيل كن معفيات من عبادات كثيرة .

ووصف مريم بالموصول وصلته لأنها عرفت بتلك الصلة من قصتها المعروفة من تكرر ذكرها فيما نزل من القرآن قبل هذه السورة .

وفي ذكر ( القانتين ) إيماء إلى ما أوصى الله به أمهات المؤمنين بقوله تعالى ( ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين ) الآية .

وقرأ الجمهور ( وكتابه ) . وقرأه حفص وأبو عمرو ويعقوب ( وكتبه ) بصيغة الجمع ، أي آمنت بالكتب التي أنزلت قبل عيسى وهي التوراة والزبور وكتب الأنبياء من بني إسرائيل ، والإنجيل إن كان قد كتبه الحواريون في حياتها .

التالي السابق


الخدمات العلمية