الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          وقوله : ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم أي تأكلوها مضمومة إلى أموالكم ، وهذا صريح فيما إذا كان للولي مال يضم مال اليتيم إليه ، ويمكن أن يقال : إن أكله مفردا غير مضموم إلى مال الولي بالتحريم ، وهو داخل في عموم قوله : وآتوا اليتامى أموالهم وقيل يفهم من هذا القيد جواز أكل الوصي الفقير الذي لا مال له شيئا من مال اليتيم ، وسيأتي التصريح بذلك في الآية السادسة .

                          أقول : ومراد الأستاذ الإمام بنفي التجوز من الآية يعم ما قاله بعضهم من التجوز بلفظ الإيتاء باستعماله بمعنى ترك الأموال سالمة لهم ، وعدم اغتيال شيء منها ، وما قالوه من أن المراد بإيتائهم إياها هو تسليمهم إياها بعد الرشد ، وأطلق عليهم لفظ اليتامى باعتبار ما كانوا عليه من عهد قريب - كما ذكر في بعض كتب البلاغة وكتب الأصول ، وهو ما سيأتي حكمه في الآية السادسة فلا حاجة إلى دسه في هذه - وقيل : أكل أموالهم إلى أموال اليتامى هو خلطها بها ، وتقدم حكم مخالطتهم في سورة البقرة - راجع آية 220 منها في ص271 وما بعدها ج 2 .

                          [ ص: 282 ] واختلفوا أيضا في تبدل الخبيث بالطيب ، والأظهر فيه ما اختاره الأستاذ الإمام فيما تقدم آنفا ، وقيل : إن المراد به ما كانوا يفعلونه في الجاهلية من أخذ الجيد من مال اليتيم ، ووضع الرديء بدله ، وأخذ السمين منه ، وإعطائه الهزيل ، ونسبه الرازي للأكثرين ، قال : وطعن فيه صاحب الكشاف بأنه تبديل لا تبدل .

                          وعبر عن أخذ المال ، والانتفاع به بالأكل لأنه معظم ما يقع به التصرف ، وهذا الاستعمال شائع معروف كقوله - تعالى - : ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل [ 2 : 188 ] وهو يعم كل ما يأخذه الإنسان من مال غيره بغير حق .

                          إنه كان حوبا كبيرا أي إن أكل مال اليتيم ، أو تبدل الخبيث بالطيب منه ، أو ما ذكر من مجموع الأمرين - وكانت تفعله الجاهلية - كان في حكم الله حوبا كبيرا أي إثما عظيما .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية