الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
سورة فصلت

455 - قوله تعالى : في أربعة أيام ، أي : مع اليومين اللذين تقدما قوله : خلق الأرض في يومين ، لئلا يزيد العدد على ستة أيام ، فيتطرق إليه كلام المعترض .

وإنما جمع بينهما ولم يذكر اليومين على الانفراد بعدهما لدقيقة لا يهتدي إليها كل أحد ، وهي : أن قوله : خلق الأرض في يومين صلة الذي ، و وتجعلون له أندادا عطف على قوله : لتكفرون ، وجعل فيها رواسي عطف على قوله : خلق الأرض وهذا تفريع في الإعراب لا يجوز في الكلام ، وهو في الشعر من أقبح الضرورات لا يجوز أن يقال : جاءني الذي يكتب وجلس ويقرأ ؛ لأنه لا يحال بين صلة الموصول وما يعطف بأجنبي من الصلة .

فإذا امتنع هذا لم يكن بد من إضمار فعل يصح الكلام به ومعه ، فيضمر خلق الأرض بعد قوله : ذلك رب العالمين فيصير التقدير : ذلك رب العالمين خلق الأرض وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها ، وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام ، ليقع هذا كله في أربعة أيام ، ويسقط الاعتراض والسؤال . وهذه معجزة وبرهان .

[ ص: 222 ] 456 - قوله : حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم ، وفي الزخرف وغيره : حتى إذا جاءنا ، و حتى إذا جاءوها بغير " ما " ؛ لأن حتى ههنا هي التي تجري مجرى واو العطف ، نحو قولك : أكلت السمكة حتى رأسها ، أي ورأسها . وتقدير الآية : فهم يوزعون إذا جاءوها . و " ما " هي التي تزاد مع الشروط ، نحو : أينما ، وحيثما ، و " حتى " في غيرها من السور للغاية .

457 - قوله : وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم ، ومثله في الأعراف ، لكنه ختم بقوله : إنه سميع عليم ؛ لأن الآية في هذه السورة متصلة بقوله : وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم ، فكان مؤكدا بالتكرار وبالنفي والإثبات ، فبالغ في قوله : إنه هو السميع العليم بزيادة " هو " وبالألف واللام ، ولم يكن في الأعراف هذا النوع من الاتصال ، فأتى على القياس : المخبر عنه معرفة ، والخبر نكرة .

459 - قوله : ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم ، وفي " حم عسق " بزيادة قوله : إلى أجل مسمى ، وزاد فيها أيضا : بغيا بينهم ؛ لأن المعنى : تفرق قول اليهود في التوراة ، وتفرق قول الكافرين في القرآن ، ولولا كلمة سبقت من ربك بتأخر العذاب إلى يوم الجزاء ، لقضي بينهم بإنزال العذاب عليهم .

وخصت " حم عسق " بزيادة قوله : إلى أجل مسمى ؛ لأنه ذكر البداية في أول الآية ، وهو : وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم ، وهو مبدأ كفرهم ، فحسن ذكر النهاية التي أمهلوا إليها ، ليكون محدودا من الطرفين .

[ ص: 223 ] 459 - قوله : وإن مسه الشر فيئوس قنوط ، وبعده : وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض لا منافاة بينهما ؛ لأن معناه : قنوط من الضيم ، دعاء لله . وقيل : يئوس قنوط بالقلب ، دعاء باللسان . وقيل : الأول في قوم ، والثاني في آخرين . وقيل : الدعاء مذكور في الآيتين ، ودعاء عريض في الثاني .

460 - قوله : ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته بزيادة " منا " ، و " من " ، وفي هود : ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ؛ لأن ما في هذه السورة بين جهة الرحمة ، وبالكلام حاجة إلى ذكرها ، وحذف في هود اكتفاء بما قبله ، وهو قوله : ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة ، وزاد في هذه السورة " من " لأنه لما حد الرحمة والجهة الواقعة منها ، حد الطرف الذي بعدها ؛ ليتشاكلا في التحديد .

وفي هود لما أهمل الأول أهمل الثاني .

461 - قوله : أرأيتم إن كان من عند الله ثم كفرتم به ، وفي الأحقاف : وكفرتم به بالواو ؛ لأن معناه في هذه السورة : كان عاقبة أمركم بعد الإمهال للنظر والتدبر : الكفر ، فحسن دخول " ثم " ، وفي الأحقاف عطف عليه وشهد شاهد فلم يكن عاقبة أمرهم ، فكان من مواضع الواو .

التالي السابق


الخدمات العلمية