الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( وإن احتاج إلى النكاح وهو يخاف العنت قدم النكاح ; لأن الحاجة إلى ذلك على الفور ، والحج ليس على الفور ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) قال الرافعي : لو ملك فاضلا عن الأمور المذكورة ما يمكنه به الحج ، واحتاج إلى النكاح لخوف العنت ، فصرف المال إلى النكاح أهم من صرفه إلى الحج ، هذه عبارة الجمهور ، وعللوه بأن حاجة النكاح ناجزة ، والحج على التراخي ، والسابق إلى الفهم من هذه العبارة أنه لا يجب [ ص: 59 ] الحج والحالة هذه ، ويصرف ما معه في النكاح ، وقد صرح إمام الحرمين بهذا ، ولكن كثير من العراقيين وغيرهم قالوا : يجب الحج على من أراد التزوج لكن له أن يؤخره لوجوبه على التراخي ، ثم إن لم يخف العنت فتقديم الحج أفضل ، وإلا فالنكاح . هذا كلام الرافعي ، وقد صرح خلائق من الأصحاب بأنه يلزمه الحج ويستقر في ذمته ، ولكن له صرف هذا المال إلى النكاح وهو أفضل ، ويبقى الحج في ذمته ، ممن صرح بهذا الشيخ أبو حامد والبندنيجي والقاضي أبو الطيب في كتابيه التعليق والمجرد والمحاملي في كتابيه المجموع والتجريد ، والقاضي حسين ، والدارمي ، وصاحب الشامل ، وصاحب التتمة وصاحب العدة وصاحب البيان ، وآخرون فهذا هو المذهب الصحيح ولا تقبل دعوى الرافعي فيما قاله عن الجمهور وفهمه عنهم .

                                      ( وأما ) نقله عن إمام الحرمين صحيح ، وقد صرح الجرجاني في المعاياة به فقال : لا يصير مستطيعا ، وهذا لفظ إمام الحرمين قال : قال العراقيون : لو فضل شيء وخاف العنت لو لم يتزوج ، وكان بحيث يباح له نكاح الأمة ، لم يلزمه أن يحج ، بل له صرف المال إلى النكاح ; لأن في تأخيره ضررا به ، والحج على التراخي ، قال : فإذن لا استطاعة ولا وجوب قال : وهذا الذي ذكره العراقيون قاطعين به قياس طرقنا وإن لم نجده منصوصا فيها ، هذا لفظ الإمام بحروفه ، وفيه التصريح بأنه إنما صرح بأنه لا تحصل الاستطاعة اعتمادا على ما ذكره العراقيون وليس فيما ذكره العراقيون أنه لا يجب الحج ، بل قالوا : يجب الحج وله تأخيره وصرف المال إلى النكاح ، ويكون الحج ثابتا في الذمة كما قدمناه عنهم ، وفي حكاية الإمام عنهم إشارة إلى هذا ، فالصواب استقرار الحج كما سبق ، وعلله صاحب الشامل وغيره بأن النكاح من الملاذ فلا يمنع وجوب الحج ، والله أعلم .




                                      الخدمات العلمية