الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله فإن تعذر ذكر قيمتها ) أي بهلاكها أو غيبتها فلا بد من ذكر قيمتها ليصير المدعى به معلوما ; لأن العين لا تعرف بالوصف والقيمة تعرف به ، وقد تعذر مشاهدة العين ، وإنما قيدنا التعذر بالهلاك أو الغيبة لئلا يرد الرحى وصبرة الطعام ونحو ذلك مما يتعذر إحضاره مع بقائه فإن القاضي يبعث أمينه كما قدمناه ، ولا يكتفي بذكر القيمة ، وفي الدابة يخبر القاضي إن شاء خرج إليها ، وإن شاء بعث إليها من يسمع الدعوى والشهادة [ ص: 197 ] بحضرتها كما في جامع الفصولين ، وفيه ادعى أعيانا مختلفة الجنس والنوع والصفة وذكر قيمة الكل جملة ، ولم يذكر قيمة كل عين على حدة اختلف فيه المشايخ فقيل لا بد من بيان التفصيل ، وقيل يكتفى بالإجمال ، وهو الصحيح . ا هـ .

                                                                                        وفي السراجية ادعى عبيدا يبين جنسهم وسنهم وصفتهم وحليتهم ، وقيمتهم ، وإن كان المدعي حاضرا كفت الإشارة ، وظاهر كلام المصنف وغيره أن اشتراط ذكر القيمة إنما هو عند تعذر إحضار العين أما قبل ظهور التعذر فلا قال في الخانية إنما يشترط ذكر القيمة في الدعوى إذا كانت دعوى سرقة ليعلم أنها نصاب أو لا فأما فيما سوى ذلك فلا حاجة إلى بيانها . ا هـ .

                                                                                        وأطلق في وجوب بيان القيمة عند التعذر واستثنوا منه دعوى الغصب والرهن ففي جامع الفصولين لو ادعى عينا غائبا لا يعرف مكانه بأن ادعى أنه غصب منه ثوبا أو قنا ، ولا يدري قيامه ، وهلاكه فلو بين الجنس والصفة والقيمة تقبل دعواه ، ولو لم يبين قيمته أشار في عامة الكتب إلى أنها تقبل فإنه ذكر في كتاب الرهن لو ادعى أنه دهن عنده ثوبا ، وهو ينكر تسمع دعواه ، وذكر في كتاب الغصب ادعى أنه غصب منه أمة وبرهن تسمع وبعض مشايخنا قالوا إنما تسمع دعواه إذا ذكر القيمة ، وهذا تأويل ما ذكر في الكتاب أن الشهود شهدوا على إقرار المدعى عليه بالغصب فيثبت غصب القن بإقراره في حق الحبس والحكم جميعا .

                                                                                        وعامة المشايخ على أن هذه الدعوى والبينة تقبل ، ولكن في حق الحبس ، وإطلاق محمد في الكتاب يدل عليه ، ومعنى الحبس أن يحبسه حتى يحضره ليعيد البينة على عينه فلو قال لا أقدر عليه حبس قدر ما لو قدر أحضره ثم يقضي عليه بقيمته . ا هـ .

                                                                                        والحاصل أنه في دعوى الغصب والرهن لا يشترط بيان الجنس والقيمة في صحة الدعوى والشهادة ويكون القول في القيمة للغاصب والمرتهن ثم اعلم أنه إنما يكتفى بالقيمة عند التعذر فيما إذا ادعى العين أما إذا ادعى قيمة شيء مستهلك فلا بد من بيان جنسه ونوعه واختلفوا في بيان الذكورة والأنوثة في الدابة كما في الخزانة وجامع الفصولين ، وفي البزازية ودعوى قيمة الأعيان المشتركة لا تصح بلا بيان الأعيان لجواز أن يكون مثليا ويطالب بالقيمة ، وقال في النصاب لا يحتاج إلى ذكر الأعيان ; لأن الظاهر المطالبة بالواجب فلا ترد الدعوى بالاحتمال قال بعض المشايخ : لا بد أن يذكر أن القبض كان بغير إذن المالك أو بغير حق ، وقيل لا حاجة إليه لإغناء الطلب عن ذلك . ا هـ .

                                                                                        ولم يفرق المؤلف بين دعوى عين وعين مع أن دعوى بعض الأعيان له شرط آخر قال في البزازية ، وفي دعوى الإيداع لا بد من بيان مكان الإيداع ، سواء كان له حمل أو لا ، وفي الغصب إن كان له حمل ، ومؤنة لا يصح بلا بيان المكان ، وإن لم يكن له حمل يصح ا هـ .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله : وفي الدابة يخير القاضي إلخ ) ، وقال في غاية البيان فإن كان دابة ولا يقع بصر القاضي ولا يتأتى الإشارة من الشهود والمدعي ، وهي على باب المسجد يأمر بإدخالها فإنه جائز عند الحاجة ألا ترى { أنه عليه الصلاة والسلام طاف بالبيت على ناقته } مع أن حرمة المسجد الحرام فوق حرمة سائر المساجد ، وإن كان يقع بصر القاضي عليها فلا يدخلها ; لأنه لا يأمن ما يكون منها والحاجة منعدمة . ا هـ [ ص: 197 ]

                                                                                        ( قوله : وفي السراجية ادعى عبيدا إلخ ) الظاهر أنه مبني على القول الأول مقابل الصحيح تأمل ( قوله : قال في الخانية إنما يشترط ذكر القيمة إلخ ) نقل بعض الفضلاء عن الشيخ عمر صاحب النهر أخي المؤلف ينبغي أن يكون المعنى أنه إذا كانت العين حاضرة لا يشترط ذكر قيمتها إلا في دعوى السرقة . ا هـ .

                                                                                        قلت : فكان الأولى للمؤلف أن يقول قبل عبارة الخانية أما إذا كانت حاضرة فلا بدل قوله أما قبل ظهور التعذر فلا ( قوله : ثم يقضى عليه بقيمته ) لم يبين الحكم فيما إذا لم يدر قيمته أيضا ، وفي الدرر قال في الكافي ، وإن لم يبين القيمة ، وقال غصبت مني عين كذا ، ولا أدري أهو هالك أو قائم ولا أدري كم كانت قيمته ذكر في عامة الكتب أنه تسمع دعواه ; لأن الإنسان ربما لا يعلم قيمة ماله فلو كلف بيان القيمة لتضرر به أقول : فائدة صحة الدعوى مع هذه الجهالة الفاحشة توجه اليمين على الخصم إذا أنكر والجبر على البيان إذا أقر أو نكل عن اليمين فليتأمل فإن كلام الكافي لا يكون كافيا إلا بهذا التحقيق . ا هـ .

                                                                                        وقوله : فائدتها توجه اليمين أي حيث لا بينة ، وإلا ففائدتها الحبس كما علمت ( قوله : وإن لم يكن له حمل يصح ) قال في نور العين بعد هذه العبارة ، وفي غصب غير المثلي وإهلاكه ينبغي أن يبين قيمته يوم غصبه في ظاهر الرواية ، وفي رواية يتخير المالك أخذ قيمته يوم غصبه أو يوم هلاكه فلا بد من بيان أنها قيمة أي اليومين ولو ادعى ألف دينار بسبب إهلاك الأعيان لا بد من أن يبين قيمتها في موضع الإهلاك ، وكذا لا بد من بيان الأعيان فإن منها ما هو قيمي ومنها ما هو مثلي . ا هـ .

                                                                                        وهذا ما ذكره [ ص: 198 ] المؤلف آنفا عن البزازية .




                                                                                        الخدمات العلمية