الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
كاستصناع سيف أو سرج . وفسد بتعيين المعمول منه أو العامل ،

[ ص: 386 ] وإن اشترى المعمول منه واستأجره : جاز ، إن شرع : عين عامله أم لا

التالي السابق


وشبه في الجواز على وجه السلم فقال ( كاستصناع سيف أو سرج ) فيجوز بشروط السلم من وصف العمل وضرب الأجل وتعجيل رأس المال وكون المعمول منه والعمل في الذمة ( وفسد ) السلم في نحو عمل السيف ( بتعيين ) الشيء ( المعمول منه ) كالحديد ( أو ) تعيين الشخص ( العامل ) وأولى بتعيينهما معا لشدة غرره [ ص: 386 ] فيها ، ومن استصنع طشتا أو تورا أو قلنسوة أو خفافا أو غير ذلك مما يعمل في الأسواق بصفة معلومة فإن كان مضموما إلى مثل أجل السلم ولم يشترط عمل رجل بعينه ولا شيئا بعينه يعمل منه جاز ذلك إذا قدم رأس المال مكانه أو إلى يوم أو يومين ، فإن ضرب لرأس المال أجلا بعيدا لم يجز وصار دينا بدين . وإن اشترط عمله من نحاس أو حديد بعينه أو ظواهر معينة أو عمل رجل بعينه لم يجز وإن فقده لأنه غرر لا يدري أيسلم إلى ذلك الأجل أم لا ولا يكون السلف في شيء بعينه ا هـ . والظواهر الجلود وسقط أو العامل من بعض نسخ المتن وثبوته هو الموافق لنصها السابق ، وعليه درج ابن رشد ، وفي موضع آخر منها يقضي جوازه إذا عين العامل فقط وهو قولها من استأجر من يبني له دارا والأجر من عند الأجير جاز وهو قول ابن بشير انظر " ق " .

( وإن اشترى ) شخص الشيء ( المعمول منه ) كالحديد والنحاس والجلد ونحوها من صانع ( واستأجره ) أي المشتري البائع على عمله سيفا أو تورا أو سرجا مثلا ( جاز ) على المشهور من جواز الجمع بين البيع والإجارة في عقد واحد ( إن شرع ) البائع في العمل ولو حكما بتأخيره ثلاثة أيام ، وسواء ( عين ) المشتري ( عامله أم لا ) وفارقت هذه المسألة التي قبلها بأن التي قبلها لم يدخل فيها المبيع في ملك المشتري أولا ، وهذه دخل في ملكه ثم أجره على عمله ابن عبد السلام وغيره الفرق بين هذه والتي قبلها أن العقد فيما قبلها وقع على المصنوع على وجه السلم ولم يدخل المعمول منه في ملك المشتري ، وهذه وقع العقد فيها على المبيع المعمول منه وملكه المشتري ثم استأجره بالشرط في العقد على عمله ، وهذه الثانية هي مسألة ابن رشد ، والتي قبلها مسألة المدونة وفيها أربع صور تعيين المعمول منه والعامل ، وعدم تعيينهما ، وتعيين المعمول منه فقط ، وتعيين العامل فقط .

( تنبيهات ) : الأول : قيد في التوضيح الجواز بكون خروجه معلوما ، فإن اختلف كشرائه [ ص: 387 ] ثوبا على أن على البائع صبغه ، أو غزلا على أن عليه نسجه ، أو خشبة على أنه يعملها تابوتا فممنوع .

طفي سلم ابن عرفة وغيره جعل ابن رشد التأخير المغتفر ثلاثة أيام فقط وهو غير مسلم إذ الممنوع ما زاد على خمسة عشر يوما في بيع معين بتأخر قبضه كما في بيوعها الفاسدة في اشتراء الزرع المستحصد بكيل وشراء زيت زيتون معين ونحوهما مما هو كثير في المذهب ، ولذا قال " س " ينظر قول ابن رشد إن كان على أن يؤخر الشروع يومين أو ثلاثة لم يجز تعجيل النقد بشرط مع قولهم وأجيز تأخيره شهرا ، فإنما منعوا النقد بشرط إذا تأخر شهرا ونحوه أما إلى مثل الثلاثة والعشرة كما في دولة النساء فلا منع . ا هـ . وابن رشد صرح بهذا كله في باب الإجارة فانظره .

الثالث : " د " مسألة تجليد الكتب لا بد فيها من ضرب أجل السلم وغيره من بقية شروطه . عب غير ظاهر ففي تهذيب البرادعي لا بأس أن تؤاجره على بناء دارك والجص والآجر من عنده . الوانوغي قلت لابن عرفة من هذا مسألة تجليد الكتب المتداولة بين الطلبة شرقا وغربا وكأنها بعينها فصوبه . البناني ما ذكره عن أحمد هو المتعين ، وليس في كلام المدونة ما يرده ، بل كلامها يشهد له ، ونصها من استأجر من يبني له دارا على أن الآجر والجص من عند الأجير جاز ، ثم قال قلت أرأيت السلم هل يجوز فيه أن لا يضرب له أجلا وهذا لم يضرب للآجر والجص أجلا ، قال لما قال له ابن لي هذه الدار فكأنه وقت له أجلا لأن وقت بنيانها عند الناس معروف فكأنه أسلم إليه في جص وآجر معروف إلى وقت معروف ، وأجره في عمل هذه الدار فلذا جاز . ا هـ . على نقل " ق " فهذا صريح في وجوب ضرب الأجل إن لم يكن معروفا ، لكن في شرح القباب لبيوع ابن جماعة بعد ذكره فيمن أعطى ثوبه أو نعله لمن يرقعه أنه لا يجوز حتى يريه الرقعة والجلد إن كانا من عنده فيكون ذلك بيعا ، قال ما نصه فإن لم يكن ذلك عنده انضاف إلى ذلك بيع ما ليس عندك من غير أجل السلم إلا أن يكون الخراز أو الخياط لا يعدم الرقاع أو الجلود فلا يحتاج إلى طول الأجل ، ويكفي الوصف التام كما في السلم في [ ص: 388 ] اللحم لمن شأنه يبيعه ، وفي الخبز لمن شأنه يبيعه ، وإن لم يضرب أجل السلم فلا يكتفي بالوصف إلا إذا كان ما يريد أن يعمل منه موجودا عنده حين العقد ، أو لا يتعذر عليه غالبا لكونه لا يعدمه ويكثر عنده . ا هـ . فيجري هذا التفصيل في البناء وفي مجلد الكتب والله أعلم .




الخدمات العلمية