الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 405 ] ومبايعته مسامحة ، أو جر منفعة : كشرط عفن بسالم ، [ ص: 406 ] ودقيق أو كعك ببلد ، أو خبز فرن بملة ، أو عين عظم حملها : كسفتجة ، إلا أن يعم الخوف ، وكعين كرهت إقامتها ، إلا أن يقوم دليل على أن القصد نفع المفترض فقط في الجميع : كفدان [ ص: 407 ] مستحصد : خفت مؤنته عليه : يحصده ويدرسه ويرد مكيلته ، وملك ، ولم يلزم رده ، إلا بشرط ، أو عادة : [ ص: 408 ] كأخذه بغير محله ، إلا العين .

التالي السابق


( و ) حرم ( مبايعته ) أي من تحرم هديته من رب الدين وذي الجاه والقاضي بيعا ( مسامحة ) أي بدون ثمن المثل ، فإن وقع رد إلا أن يفوت بمفوت البيع الفاسد ففيه قيمة المقوم ومثل المثلي ، وأما مبايعته بلا مسامحة فقيل تجوز . وقيل تكره ويكره بيع رب الدين للمدين بمسامحة خشية أن يحمله ذلك على زيادة المدين في قضاء الدين أو غيرها من المحظورات ( أو جر منفعة ) لغير المقترض الأصوب ضبطه مصدرا مرفوعا مضافا لمفعوله معطوفا بالواو وعلى هديته كما في بعض النسخ ، أي وجر منفعة ، أي للمقرض قاله " غ " .

سمع ابن القاسم في رجل له على رجل عشرة دنانير حل أجلها فأعسر بها فقال له رجل أخره بالعشرة وأنا أسلفك عشرة دنانير . قال مالك " رضي الله عنه " إن كان الذي يعطي يكون له على الذي له الحق فلا خير فيه ، وإن كان قضاء عن الذي عليه الحق سلفا له فلا بأس به . ابن رشد هذا بين على ما قال أن ذلك لا يجوز إذا لم يكن قضاء عن الذي عليه الحق سلفا منه له لأنه سلف الذي له الحق لغرض له في منفعة الذي عليه الحق فهو سلف جر نفعا ، إذ لا يحل السلف إلا أن يريد به المسلف منفعة الذي أسلفه خالصا لوجه الله تعالى لا لنفسه ولا لمنفعة من سواه .

ومثل لجر المنفعة فقال ( كشرط ) قضاء شيء ( عفن ) بفتح العين المهملة وكسر الفاء أي متعفن أو مسوس ( ب ) شيء ( سالم ) من العفن والسوس ومبلول بيابس وقديم بجديد فيمنع على المشهور ، وقيد اللخمي المنع بما إذا لم يقم دليل على إرادة نفع المتسلف فقط وإلا جاز والعادة العامة أو الخاصة كالشرط ، ومفهوم الشرط جواز قضاء عفن بسالم إذا كان بلا شرط ولا عادة وهو كذلك لأنه حسن قضاء ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم { خير الناس أحسنهم قضاء } . [ ص: 406 ]

( و ) شرط دفع مثل ( دقيق أو كعك ) مسلف ببلد بشرط مثله ( ببلد ) آخر غير بلد القرض ليسقط المقرض عن نفسه كلفة حمله من بلد القرض إلى البلد الآخر ، كأن يسلفه بمصر دقيقا أو كعكا بشرط دفع قضائه بمكة فيمنع على المشهور ولو للحاج ، ويجوز بلا شرط ، في الحمديسية جوازه للحاج مع الشرط ( و ) شرط قضاء ( خبز ) بضم الخاء المعجمة وسكون الموحدة آخره زاي ( فرن ب ) خبز ( ملة ) بفتح الميم واللام مشددة أي رماد حار يخبز به ، أو حفرة يجعل فيها رماد حار يخبز به ، وخبز الملة أحسن من خبز الفرن ، وقيل بالعكس ( أو ) شرط قضاء ( عين ) أي ذات نقد كانت أو غيره ( عظم حملها ) ببلد آخر فيمنع على المشهور لنفع المقرض بدفع مؤنة حملها عن نفسه . وشبه في المنع فقال ( كسفتجة ) بفتح السين المهملة وسكون الفاء وفتح الفوقية والجيم أعجمية أي ورقة يكتبها مقترض ببلد كمصر لوكيله ببلد آخر كمكة ليقضي عنه بها ما اقترضه بمصر فيمنع لانتفاع المقرض بدفع كلفة ما أقرضه عن نفسه من مصر إلى مكة وغرره برا وبحرا ( إلا أن يعم الخوف ) البر والبحر فيجوز للضرورة نقله في التوضيح عن اللخمي وعبد الوهاب ( وك ) قرض ( عين ) أي ذات نقد أو طعام أو عرض أو حيوان ( كرهت ) بضم فكسر ( إقامتها ) عند مالكها لخوف تلفها بعفن أو سوس مثلا فيحرم قرضها ليأخذ بدلها لأنه سلف جر نفعا لغير المقترض ( إلا أن يقوم ) أي يوجد ( دليل ) أي قرينة ( على أن القصد ) بقرض ما كرهت إقامته ( نفع المقترض فقط ) فيجوز ( في الجميع ) أي جميع المسائل السابقة ، كما إذا كان المسوس أو القديم إن باعه يأتي ثمنه بأضعافه لمسغبة أو غلاء وشبه بالمستثنى في الجواز أو مثل له فقال ( كفدان ) بفتح الفاء وشد الدال المهملة [ ص: 407 ] آخره نون ، أي مقدار من الزرع ( مستحصد ) بضم الميم وكسر الصاد المهملة أي حان حصاده ( خفت ) بفتح الخاء المعجمة والفاء مشددة أي سهلت ( مؤنته ) أي حصد الفدان ودرسه وتذريته ( عليه ) أي مالكه وأقرضه لمن ( يحصده ) بكسر الصاد وضمها ( ويدرسه ) ويذريه وينتفع بحبه ثم يقضيه مثله ولم يقصد المقرض نفسه بفعل المقترض كما في " ق " عن المدونة والتشبيه يفيده .

( ويرد ) بفتح التحتية وضم الراء وشد الدال المقترض للمقرض ( مكيلته ) بفتح الميم أي الحب الذي خرج منه وتبنه لمقرضه وإن هلك الزرع قبل حصده فضمانه على مقرضه لأنه مما فيه حق توفية ( وملك ) بضم بكسر أي القرض أي ملكه المقترض بالعقد وصار مالا فيقضي على المقرض بدفعه له ( ولم يلزم ) المقترض ( رده ) أي القرض لمقرضه إلا بعد انتفاعه به انتفاع أمثاله ، فإن رده المقترض وجب على المقرض قبوله إن لم يتغير بنقص لأن الأجل حق للمقترض ولو غير عين .

واستثنى من عدم لزوم رده فقال ( إلا بشرط أو عادة ) برده في وقت معلوم فيلزمه رده عملا بالشرط أو العادة ، فإن انتفيا فهو كالعارية المطلقة . ونقل اللخمي فيها عن المدونة قولين . فقيل له ردها ولو بالقرب ، وقيل يلزمه إبقاؤها القدر الذي يرى أنه أعاره لمثله واختاره أبو الحسن وليس هذا عملا بالعادة ، إذ قد تزيد عليه بفرض وجودها .

وشبه في عدم اللزوم فقال ( كأخذه ) أي القرض فلا يلزم ربه أخذه إن دفعه المقترض [ ص: 408 ] له ( بغير محله ) الذي يقضي فيه لزيادة الكلفة عليه ( إلا العين ) أي الدنانير أو الدراهم المقرضة فيلزم مقرضها أخذها بغير محله لخفة حملها إلا لخوف أو احتياج إلى كبير حمل ، ومثلها الجواهر النفيسة .

( خاتمة فيها مسائل ) : الأولى : ابن العربي . انفرد مالك " رضي الله عنه " عنه باشتراط الأجل في القرض لخبر الصحيح { أن رجلا كان فيمن قبلكم استلف من رجل ألف دينار } الحديث .

الثانية : في المسائل الملقوطة إن وعدت غريمك بتأخير الدين لزمك لأنه إسقاط للحق لازم ، سواء قلت له أؤخرك أو أخرتك .

الثالثة : ابن ناجي : في شرح قول الرسالة وله أن يقرضه شيئا في مثله صفة ومقدارا يقوم من كلام الشيخ افتقار القرض لأن يكون بلفظه ، وفيه قولان ، ويؤخذ منه جواز اشتراط ما يوجبه الحكم من قوله في مثله صفة ومقدارا لأن قضاء الصفة والمقدار يوجبهما الحكم وإن لم يقع نص عليهما في العقد ، واختلف في فساد العقد به إن شرط على ثلاثة أقوال ثالثها يمنع في الطعام ، فإن وقع فسخ ا هـ . وفي الذخيرة سند منع ابن القاسم أن يقول الرجل للرجل أقرضك هذه الحنطة على أن تعطيني مثلها ، وإن كان القرض يقتضي إعطاء المثل لإظهار صورة المكايسة . وقال أشهب إن قصد بشرط إعطاء المثل عدم الزيادة فلا يكره ، وكذا إن لم يقصد شيئا ، وإن قصد المكايسة كره ، ولا يفسد العقد لعدم نفع المقرض . [ ص: 409 ]

الرابعة : ابن عرفة : للمقترض رد عين المقترض ما لم يتغير ، وبه اتضح تعليل منعه في الإماء بأنه عارية للفروج ، فإن تغير بنقص فواضح عدم القضاء بقبوله ، ولو تغير بزيادة فالأظهر وجوب القضاء بقبوله وقول ابن عبد السلام الأقرب عدمه لأنه معروف من المقترض يرد بوجوب القضاء بقبوله قبل أجله ، وهو عرض لانتفاء المنة على المقرض فيهما لتقدم معروفه عليه بالقرض ووجوب قضائه بمحل قبضه وهو غير عين ، ويجوز بغيره تراضيا . الجلاب إن حل أحله وإلا فلا . ابن عات عن المشاور من أقرض طعاما ببلد فخرب وانجلى أهله وأيس من عمارته إلا بعد طول فله أخذ قيمته في موضع السلف ، وإن رجا قرب عمارته تربص إليها ولو كان من سلم خير في الإياس بين تربصه وأخذ رأس ماله . قلت الأظهر إن لم ترج عمارته عن قرب القضاء بالدفع في أقرب موضع عمارة لمحل القرض .

الخامسة : ابن ناجي : اختلف إذا أراد المدين دفع بعض ما عليه وهو موسر ، فهل يجبر رب المال على قبضه أم لا فروى محمد أنه يجبر . وقال ابن القاسم لا يجبر ، وأما المعسر فيجبر اتفاقا ، وعزا الجزولي الأول لمالك ، وحكى الثاني بقيل ، واقتصر ابن عمر على الثاني . ابن يونس ابن المواز مالك رضي الله تعالى عنهم من له حق على رجل فجاء ببعضه فقال لا أقبل إلا المال كله فأرى أن يجبر على أخذ ما جاء به ابن القاسم إن كان الغريم موسرا فلا يجبر رب الحق على أخذ ما جاء به ، أفادها الحط ، والله أعلم بالصواب .




الخدمات العلمية