الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب لا حمى إلا لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم

                                                                                                                                                                                                        2241 حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن يونس عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الصعب بن جثامة قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا حمى إلا لله ولرسوله يحيى وقال بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم حمى النقيع وأن عمر حمى السرف والربذة

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( باب لا حمى إلا لله ولرسوله ) ترجم بلفظ الحديث من غير مزيد ، قال الشافعي : يحتمل معنى الحديث شيئين : أحدهما : ليس لأحد أن يحمي للمسلمين إلا ما حماه النبي - صلى الله عليه وسلم - ، والآخر معناه إلا على مثل ما حماه عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فعلى الأول ليس لأحد من الولاة بعده أن يحمي ، وعلى الثاني يختص الحمى بمن قام مقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الخليفة خاصة . وأخذ أصحاب الشافعي من هذا أن له في المسألتين قولين ، والراجح عندهم الثاني ، والأول أقرب إلى ظاهر اللفظ لكن رجحوا الأول بما سيأتي أن عمر حمى بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - ; والمراد بالحمى منع الرعي في أرض مخصوصة من المباحات فيجعلها الإمام مخصوصة برعي بهائم الصدقة مثلا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن يونس ) هو ابن يزيد الأيلي ، ورواية الليث عنه من الأقران لأنه قد سمع من شيخه ابن شهاب ، وفي الإسناد تابعيان وصحابيان .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( لا حمى ) أصل الحمى عند العرب أن الرئيس منهم كان إذا نزل منزلا مخصبا استعوى كلبا على مكان عال فإلى حيث انتهى صوته حماه من كل جانب فلا يرعى فيه غيره ويرعى هو مع غيره فيما سواه ، والحمى هو المكان المحمي وهو خلاف المباح ، ومعناه أن يمنع من الإحياء من ذلك الموات ليتوفر فيه الكلأ [ ص: 55 ] فترعاه مواش مخصوصة ويمنع غيرها ، والأرجح عند الشافعية أن الحمى يختص بالخليفة ، ومنهم من ألحق به ولاة الأقاليم ، ومحل الجواز مطلقا أن لا يضر بكافة المسلمين .

                                                                                                                                                                                                        واستدل به الطحاوي لمذهبه في اشتراط إذن الإمام في إحياء الموات ، وتعقب بالفرق بينهما فإن الحمى أخص من الإحياء والله أعلم . قال الجوري من الشافعية : ليس بين الحديثين معارضة ، فالحمى المنهي ما يحمى من الموات الكثير العشب لنفسه خاصة كفعل الجاهلية ، والإحياء المباح ما لا منفعة للمسلمين فيه شاملة فافترقا ، وإنما تعد أرض الحمى مواتا لكونها لم يتقدم فيها ملك لأحد ، لكنها تشبه العامر لما فيها من المنفعة العامة .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( وقال بلغنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حمى النقيع ) كذا لجميع الرواة إلا لأبي ذر ، والقائل هو ابن شهاب ، وهو موصول بالإسناد المذكور إليه وهو مرسل أو معضل ، وهكذا أخرجه أبو داود من طريق ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب فذكر الموصول والمرسل جميعا ، ووقع عند أبي ذر " وقال أبو عبد الله : بلغنا إلخ " فظن بعض الشراح أنه من كلام البخاري المصنف وليس كذلك فقد أخرجه الإسماعيلي من طريق أحمد بن إبراهيم بن ملحان عن يحيى بن بكير شيخ البخاري فيه فذكر الموصول والمرسل جميعا على الصواب كما أخرجه أبو داود ، ووقع لأبي نعيم في مستخرجه تخبيط ، فإنه أخرجه من الوجه الذي أخرجه منه الإسماعيلي فاقتصر في الإسناد الموصول على المتن المرسل وهو قوله : " حمى النقيع " وليس هذا من حديث ابن عباس عن الصعب ، وإنما هـو بلاغ للزهري كما تقدم .

                                                                                                                                                                                                        وقد أخرجه سعيد بن منصور من رواية عبد الرحمن بن الحارث عن الزهري جامعا بين الحديثين ، وأخرجه البيهقي من طريق سعيد ونقل عن البخاري أنه وهم ، قال البيهقي : لأن قوله حمى النقيع من قول الزهري يعني من بلاغه ، ثم روى من حديث ابن عمر " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حمى النقيع لخيل المسلمين ترعى فيه " وفي إسناده العمري وهو ضعيف ، وكذا أخرجه أحمد من طريقه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( النقيع ) بالنون المفتوحة ، وحكى الخطابي أن بعضهم صحفه فقال بالموحدة ، وهو على عشرين فرسخا من المدينة وقدره ميل في ثمانية أميال ذكر ذلك ابن وهب في موطئه ، وأصل النقيع كل موضع يستنقع فيه الماء ، وفي الحديث ذكر النقيع الخضمات وهو الموضع الذي جمع فيه أسعد بن زرارة بالمدينة ، والمشهور أنه غير النقيع الذي فيه الحمى وحكى ابن الجوزي أن بعضهم قال إنهما واحد ، قال : والأول أصح .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وأن عمر حمى الشرف والربذة ) هو معطوف على الأول ، وهو من بلاغ الزهري أيضا ، وقد ثبت وقوع الحمى من عمر كما سيأتي في أواخر الجهاد من طريق أسلم " أن عمر استعمل مولى له على الحمى " الحديث . والشرف بفتح المعجمة والراء بعدها فاء في المشهور ، وذكر عياض أنه عند البخاري بفتح المهملة وكسر الراء ، قال وفي موطأ ابن وهب بفتح المعجمة والراء قال : وكذا رواه بعض رواة البخاري أو أصلحه وهو الصواب ، وأما سرف فهو موضع بقرب مكة ولا تدخله الألف واللام ، والربذة بفتح الراء والموحدة بعدها ذال معجمة موضع معروف بين مكة والمدينة تقدم ضبطه ، وقد روى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن نافع عن ابن عمر أن عمر حمى الربذة لنعم الصدقة .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية