الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولما كانت الشركة ستة أقسام : مفاوضة وعنان وجبر وعمل وذمم ومضاربة وهو القراض ذكرها مرتبة هكذا إلا أنه أفرد الأخير بباب سيأتي فقال ( ثم إن أطلقا التصرف ) بأن جعله كل لصاحبه غيبة وحضورا في بيع وشراء وكراء واكتراء وغير ذلك مما تحتاج له التجارة ( وإن بنوع ) كالرقيق ( فمفاوضة ) أي فهي مفاوضة أي شركة مفاوضة أي تسمى بذلك وهي بفتح الواو من تفاوض الرجلان في الحديث إذا شرعا فيه والأولى عامة ; لأن الإطلاق غير مقيد بنوع والثانية خاصة بالنوع المقيد بالإطلاق فيه وقيل هي من العنان ( ولا يفسدها انفراد أحدهما ) أو كل منهما ( بشيء ) من المال غير مال الشركة يعمل فيه لنفسه [ ص: 352 ] إذا تساويا في عمل الشركة ( وله ) أي لأحد المتفاوضين ( أن يتبرع ) بشيء من مال الشركة ( إن استألف به ) للتجارة وهذا وما بعده يجري في شركة العنان أيضا ( أو ) إن ( خف ) ولو لم يستألف ( كإعارة آلة ودفع كسرة ) لفقير ( و ) لأحدهما أن ( يبضع ) أي يدفع مالا من الشركة لمن يشتري به بضاعة من بلد كذا ( ويقارض ) وهذا وما قبله فيما إذا اتسع المال بحيث يحتاج لذلك وإلا منع ( ويودع ) مال الشركة ( لعذر ) يقتضي الإيداع ( وإلا ) يكن الإيداع لعذر ( ضمن ) ( و ) له أن ( يشارك في ) شيء ( معين ) من مال الشركة أجنبيا لا تجول يده في جميعها ( و ) أن ( يقبل ) من سلعة باعها هو أو شريكه ( ويولي ) سلعة اشتراها هو أو شريكه إن جرت للتجارة نفعا وإلا لزمه لشريكه قدر حصته منه ( ويقبل المعيب ، وإن أبى الآخر ) يحتمل رجوع المبالغة لجميع ما تقدم .

( و ) له أن ( يقر بدين ) في مال الشركة ( لمن لا يتهم عليه ) ويلزم شريكه ، فإن أقر لمن يتهم عليه كأبويه وزوجته وصديقه لم يلزم شريكه ( و ) له أن ( يبيع بالدين ) بغير إذن شريكه ( لا الشراء به ) أي بالدين بغير إذن شريكه ، فإن فعل خير شريكه بين القبول والرد فيكون الثمن على المشتري خاصة ، فإن أذن له في سلعة معينة جاز وإلا فلا ; لأنها من شركة الذمم وهي ممنوعة ويختص المشتري بما اشتراه

التالي السابق


( قوله ثم إن أطلقا إلخ ) أي ثم بعد انعقاد الشركة بقولهم اشتركنا مثلا إن جعل كل واحد منهما للآخر التصرف في غيبته وحضوره بالبيع والشراء والكراء والاكتراء وغير ذلك هذا إذا كان ذلك الإطلاق في جميع الأنواع بل وإن كان في نوع خاص فتلك الشركة تسمى شركة مفاوضة .

واعلم أن إطلاق التصرف إما بالنص عليه أو بالقرينة وأما لو قالا اشتركنا مقتصرين على ذلك وليس هناك قرينة على إطلاق التصرف من كل منهما للآخر ففي كون ذلك شركة مفاوضة أو عنان يحتاج كل واحد لمراجعة صاحبه خلاف أظهرهما الثاني وهو أنها شركة عنان .

( قوله بفتح الواو ) أي لا غير وما ذكره عبق من جواز الكسر فقد رده بن بأنه ليس في الصحاح والقاموس والمصباح والمشارق إلا الفتح ا هـ وبالجملة فالكسر لا يصح في المصدر لقول الخلاصة :


لفاعل الفعال والمفاعلة



نعم يصح الكسر بتكلف الإسناد المجازي للشركة على حد جد جده كما قاله في المج ( قوله والأولى ) أي وهي ما قبل المبالغة وهي التي أطلق فيها كل من الشريكين لصاحبه التصرف في جميع الأنواع ( قوله ; لأن الإطلاق ) أي إطلاق كل واحد للآخر في التصرف ( قوله والثانية ) أي ما بعد المبالغة وهي التي أطلق فيها كل من الشريكين لصاحبه التصرف في نوع ( قوله قيل هي ) أي الثانية ( قوله بالإطلاق فيه ) أي بإطلاق التصرف فيه ( قوله ولا يفسدها انفراد أحدهما إلخ ) أي خلافا لأبي حنيفة والشافعي في فسادها مطلقا أي تساويا في عمل الشركة أو لا [ ص: 352 ] قوله إذا تساويا في عمل الشركة ) أي وإلا فسدت والمراد بتساويهما فيه أن يكون عمل كل واحد على قدر ما له من المال فإذا كان ما لهما متساويا كان على كل نصف العمل وإن كان المالان الثلث والثلثين كان العمل كذلك ( قوله ويقارض ) أي يدفع بعض المال لمن يعمل فيه قراضا بجزء من الربح ويكون جزء الربح الآخر شركة ( قوله وهذا ) أي جواز دفعه القراض وقوله وما قبله أي جواز الإبضاع وقوله وإلا منع أي بغير إذن شريكه وهذا التقييد للخمي وذكر أنه إذا بلغ المبضع موت أحد الشريكين قبل شرائه لم يشتر لصيرورة المال للورثة ( قوله وإلا ضمن ) أي وينبغي أن يصدق في دعوى العذر ; لأنه شريك بخلاف المودع إذا أودع وادعى أنه أودع لعذر فإنه لا يصدق ; لأنه غير شريك ( قوله وله أن يشارك في شيء معين ) ظاهره سواء كانت الشركة في ذلك البعض المعين شركة مفاوضة أو غير مفاوضة وهو كذلك كما قاله طفى .

( قوله في جميعها ) أي بل في القدر المعين الذي شارك فيه فقط ( قوله قدر حصته منه ) أي من الربح الذي في تلك السلعة ( قوله ويقبل المعيب ) يعني أنه يجوز له أن يقبل المعيب الذي اشتراه هو أو شريكه أو المردود من بيع أحدهما بغير إذن شريكه ( قوله يحتمل رجوع المبالغة لجميع ما تقدم ) أي وهو صحيح من جهة الفقه أي ويحتمل رجوعه لما قبله فقط أي وإن أبى الآخر من القبول والأول أولى والمراد بجميع ما تقدم قوله وله أن يتبرع إلى هنا .

( قوله ويقر بدين ) أي في حالة المفاوضة قبل التفرق وقبل موت شريكه وأما إن أقر لمن لا يتهم عليه بعدهما فسيأتي في قوله وإن أقر واحد بعد تفرق أو موت فهو شاهد في غير نصيبه .

( وقوله لم يلزم شريكه ) أي وإن كان يؤاخذ به ذلك المقر في ذمته ومفهوم بدين أنه لو أقر أن هذه السلعة ليست من سلع التجارة بل وديعة لفلان فإنه يصدق بالأولى من الإقرار بالدين ; لأنه إذا كان إقراره بما يعمر به ذمة شريكه معمولا به فأحرى ما لم يكن فيه تعمير ذمته وهذا واضح إذا شهدت بينة بأصل الوديعة وإلا كان تعيينه للوديعة كإقراره بها وحكمه أنه يكون شاهدا سواء حصل تفرق أو موت أو لا ابن عرفة سمع يحيى بن القاسم إن قدم شريك غائب على شريكه فقال في شيء مما بيده هو وديعة فإن لم يعين ربها سقط قوله وإن عين ربها لم يأخذه حتى يحلف مع إقراره لمن استحق فإن نكل أخذ حظ المقر فقط ا هـ ولم يذكر حلف الشريك والوجه حلفه إن حقق عليه أنه أقر بباطل وإن اتهمه فلا يمين عليه انظر بن ( قوله وله أن يبيع بالدين ) أي بأن يبيع بثمن معلوم لأجل معلوم ، فإن باع بالدين وفلس المشتري أو مات معدما ضاع الثمن عليهما معا لا على البائع وحده ( قوله فإن فعل ) أي اشترى بالدين بغير إذن شريكه ( قوله فإن أذن له في سلعة معينة ) أي أذن له في شرائها بالدين ( قوله وإلا فلا ) أي وإلا تكن معينة أي بأن قال له كل سلعة وجدتها وأعجبتك فاشترها بالدين فلا يجوز .

وحاصل ما ذكره الشارح أن الشريك إذا اشترى بالدين فإما أن يكون بإذن شريكه أو لا وفي كل إما أن تكون السلعة معينة أو لا فإن كان بغير إذن شريكه فالمنع كانت السلعة معينة أم لا وإن كان بإذنه جاز إن كانت السلعة معينة وإلا منع هذا وفي بن تبعا لطفى أن ما ذكره المصنف من أنه لا يجوز لأحد الشريكين الشراء بالدين بغير إذن شريكه فهو خلاف المذهب والمذهب ما لابن الحاجب وابن شاس اختاره ابن عرفة من جواز شراء أحد الشريكين بالدين إذ لا بد للناس من ذلك وحينئذ فلا فرق بين البيع بالدين والشراء به خلافا للمصنف تبعا لابن عبد السلام في تعقبه على ابن الحاجب [ ص: 353 ] وإنما شركة الذمم المنهي عنها إذا لم يكن بين الشريكين رأس مال ا هـ كلام بن




الخدمات العلمية