الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              436 [ 223 ] وعن سليمان بن يسار ; قال : أخبرتني عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يغسل المني ثم يخرج إلى الصلاة في ذلك الثوب . وأنا أنظر إلى أثر الغسل فيه .

                                                                                              رواه البخاري ( 230 ) ، ومسلم ( 289 ) ، وأبو داود ( 373 ) ، والترمذي ( 117 ) ، والنسائي ( 1 \ 156 ) ، وابن ماجه ( 536 ) .

                                                                                              [ ص: 548 ]

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              [ ص: 548 ] (18) ومن باب : غسل المني

                                                                                              (قولها : " إنما كان يجزئك أن رأيته أن تغسل مكانه ") يجزئك : يكفيك ، وأن رأيته بفتح الهمزة روايتنا ، ووجهها : أنها مفعولة بإسقاط حرف الجر ، تقديره : لأن رأيته ، أو : من أجل ، وهي مع الفعل بتأويل المصدر ، وكذلك : أن تغسل مكانه ، مفتوحة أيضا على تأويل المصدر ، وهو الفاعل بيجزئك . وهذا من عائشة يدل : على أن المني نجس ، وأنه لا يجزئ فيه إلا غسله ، فإنها قالت : " إنما " وهي من حروف الحصر ، ويؤيد هذا ويوضحه قولها : " فإن لم تر نضحت حوله " . فإن النضح إنما مشروعيته حيث تحققت النجاسة ، وشك في الإصابة ; كما قال عمر بن [ ص: 549 ] الخطاب - رضي الله عنه - ، حيث أصبح يغسل جنابة من ثوبه ، فقال : " أغسل ما رأيت ، وأنضح ما لم أر " .

                                                                                              وهذا مذهب السلف وجمهور العلماء . وذهب الشافعي وكثير من المحدثين : إلى أنه طاهر ; متمسكين بقول عائشة : " لقد رأيتني أفركه من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فركا فيصلي فيه " ، وبقولها : " ولقد رأيتني وإني لأحكه من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يابسا بظفري " ، وهذا لا حجة فيه لوجهين :

                                                                                              أحدهما : أنها إنما ذكرت ذلك محتجة به على فتياها ، بأنه لا يجزئ فيه إلا الغسل فيما رؤي منه ، والنضح فيما لم ير ، ولا تتقرر حجتها إلا بأن تكون فركته وحكته بالماء ، وإلا ناقض دليلها فتياها .

                                                                                              وثانيهما : أنها قد نصت في الطريق الأخرى : " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يغسل المني ، ثم يخرج إلى الصلاة في ذلك الثوب ، وأنا أنظر إلى أثر الغسل فيه " . لا يقال : كان غسله إياه مبالغة في النظافة ; لأنا نقول : الظاهر من غسله للصلاة وانتظار جفافه وخروجه إليها وفي ثوبه بقع الماء ; أن ذلك إنما كان لأجل نجاسته ، وأيضا : فإن مناسبة الغسل للنجاسة أصلية ; إذ هي المأمور بغسلها ، فحمل الغسل على قصد النجاسة أولى ، ألا ترى أن الشافعية استدلوا على نجاسة الكلب بالأمر بغسل الإناء منه ، ولم يعرجوا على احتمال كونه للنظافة ، وكذلك نقول نحن في [ ص: 550 ] غسل المني ، ثم نقول : هب أن هذا الغسل يحتمل أن يكون للنجاسة ، ويحتمل أن يكون للنظافة ، وحينئذ يكون مجملا لا يستدل به لا على طهارته ، ولا على نجاسته ، لكنا عندنا ما يدل على نجاسته ، وهو أنه يمر في ممر البول ، ثم يخرج فيتنجس بالمرور في المحل النجس ، وهذا لا جواب عنه على أصل الشافعية عند الإنصاف .

                                                                                              قالوا : بول النبي - صلى الله عليه وسلم - وسائر فضلاته طاهر طيب ، قلنا : لم يصح عند علمائنا في هذا شيء ، والأصل : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - واحد من البشر ، وهو مساو لسائر المكلفين في الأحكام ، إلا ما ثبت فيه دليل خصوصيته ، سلمنا ذلك ، لكن فغيره يكون منيه نجسا بالمرور على ما ذكرنا ، فإن قالوا : المني أصل لخلق الإنسان فيكون طاهرا كالتراب ، قلبناه عليهم ، فقلنا : المني أصل لخلق الإنسان فيكون نجسا كالعلقة . فإن قالوا كيف يكون نجسا وقد خلق منه الأنبياء والأولياء ؟ قلنا : وكيف يكون طاهرا وقد خلق منه الكفرة والضلال والأشقياء ، فبالذي ينفصلون به ننفصل .




                                                                                              الخدمات العلمية