الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 360 ] قال ( وإذا عزل القاضي فقال لرجل أخذت منك ألفا ودفعتها إلى فلان قضيت بما عليك فقال الرجل أخذتها ظلما فالقول قول القاضي ، وكذا لو قال قضيت بقطع يدك في حق ، هذا إذا كان الذي قطعت يده والذي أخذ منه المال مقرين أنه فعل ذلك وهو قاض ) ووجهه أنهما لما توافقا أنه فعل ذلك في قضائه كان الظاهر شاهدا له . [ ص: 361 ] إذ القاضي لا يقضي بالجور ظاهرا ( ولا يمين عليه ) لأنه ثبت فعله في قضائه بالتصادق ولا يمين على القاضي .

( ولو أقر القاطع والآخذ بما أقر به القاضي لا يضمن أيضا ) لأنه فعله في حال القضاء ودفع القاضي صحيح كما إذا كان معاينا ( ولو زعم المقطوع يده أو المأخوذ ماله أنه فعل قبل التقليد [ ص: 362 ] أو بعد العزل فالقول للقاضي أيضا ) هو الصحيح لأنه أسند فعله إلى حالة معهودة منافية للضمان فصار كما إذا قال طلقت أو أعتقت وأنا مجنون والجنون منه كان معهودا [ ص: 363 ] ( ولو أقر القاطع أو الآخذ في هذا الفصل بما أقر به القاضي بضمان ) لأنهما أقرا بسبب الضمان ، وقول القاضي مقبول في دفع الضمان عن نفسه لا في إبطال سبب الضمان على غيره ، بخلاف الأول لأنه ثبت فعله في قضائه بالتصادق ( ولو كان المال في يد الآخذ قائما وقد أقر بما أقر به القاضي والمأخوذ منه المال صدق القاضي في أنه فعله في قضائه أو ادعى أنه فعله في غير قضائه يؤخذ منه ) لأنه أقر أن اليد كانت له فلا يصدق في دعوى تملكه إلا بحجة ، وقول المعزول فيه ليس بحجة .

التالي السابق


( قوله وإذا عزل القاضي فقال لرجل إلخ ) صورتها عزل القاضي فادعى عليه رجل أنه أخذ منه ألفا بغير حق أو قطع يده بغير حق فقال قضيت بها عليك لفلان ودفعتها إليه وقضيت بقطعك في حق فالقول قول القاضي ، ولم يحك في هذا جريان تلك الرواية عن محمد رحمه الله لأن هذا في أمر فات فلا بد أن يكون القول للقاضي ، وإلا امتنع الناس من قبول القضاء إذا كان يتوجه عليه بعد العزل خصومات في أنفس وأموال لا تحصر حينئذ فلا بد من كون القول له في هذا ، بخلاف ما قبله لأن القتل والقطع بعد لم يقع فكان إعمال ذلك الاحتمال مفيدا ، نعم كون القول له على الاتفاق مقيد بما إذا كان المدعي مقرا بأنه فعل ذلك وهو قاض ، لأنهما لما توافقا [ ص: 361 ] على ذلك صار كأن هذه الدعوى جرت وهو قاض ، والقول قوله في ذلك لما قلنا ( و ) لأن الظاهر أنه ( لا يقضي بالجور ثم لا يمين ) على المعزول ( لأنه ثبت فعله ) وهو ( في ) حال ( قضائه بالتصادق ، و ) لو ادعى عليه في حال قضائه بذلك ( لا يمين عليه ) فكذا بعده ( ولو أقر القاطع ) المأمور ( أو الآخذ ) للمال بأمر القاضي ( بما أقر به القاضي ) وهو أن القطع منه والأخذ كان بقضاء القاضي بالأخذ وأمره بالدفع ( لا يضمن أيضا ) كالقاضي لأنه أقر أنه فعله في حال قضائه ، وهو كما لو كان دفع القاضي المال إلى الآخذ معاينا للمأخوذ منه في حال قضائه ويصير القطع بإقرار المقطوع أنه قطعه في حال قضائه كالمعاين للحاكم الذي رفع إليه المقطوع واقعته ( ف ) أما ( لو زعم المقطوع والمأخوذ ماله أنه فعله قبل التقليد ) أو بعده والقاضي يقول بل فعلته في حال قضائي ففيه [ ص: 362 ] خلاف ( والصحيح أن القول أيضا للقاضي ، لأنه ) أي القاضي ( أضافه إلى حالة معهودة منافية للضمان فصار كما إذا ) اتفقا على الطلاق والعتاق .

وقالت المرأة والعبد كان ذلك في صحة عقلك و ( قال ) بل ( وأنا مجنون وكان جنونه معهودا ) فالقول له وكما لو قال أقررت لك وأنا ذاهب العقل من برسام وهو معلوم أنه كان به ، واحترز بقوله هو الصحيح عما قال شمس الأئمة في شرحه للجامع الصغير إن القول للمدعي لأن هذا الفعل حادث فيضاف إلى أقرب الأوقات ، وهذا يخص ما إذا كانت الدعوى بعد العزل خاصة ، وكذا أفرضه شمس الأئمة فإنه قال : فأما إذا زعم : أي المدعي أنه فعل ذلك بعد العزل فإن القول قوله لأن هذا الفعل حادث إلخ . قال : ومن ادعى فيه تاريخا سابقا لا يصدق إلا ببينة ، فالتصحيح يخص ما إذا كانت دعواه أنه فعله بعد العزل ، ولكنه ذكر في تعليله ما يعم كون القول للقاضي فإنه قال لأن الأصل أن المنازعة متى وقعت في الحالة الماضية يحكم الحال كمسألة الطاحونة ، وفي الحال فعله موجب للضمان عليه ، وبهذا الإسناد يدعي سقوطه ، بخلاف الأول حيث تصادقا أنه فعله وهو قاض إلى آخر ما ذكر ، ولكن المذكور في عامة نسخ شروح الجامع أن القول للقاضي وهو اختيار فخر الإسلام والصدر الشهيد ، لأنه بالإسناد إلى الحالة المعهودة المنافية للضمان منكر للضمان فالقول قوله ، كما لو قال الوكيل بالبيع بعد العزل بعت وسلمت قبل العزل فقال الموكل بعده فالقول للوكيل إن كان المبيع مستهلكا وإن كان قائما بعينه لم يصدق لأنه أخبر عن أمر لا يملك إنشاءه فيصير مدعيا ، وكذا لو قال العبد بعد العتق لرجل قطعت يدك خطأ وأنا عبد وقال المقر له بل وأنت حر فالقول للعبد ولا ضمان ، وكذا إذا قال أخذت مني كل شهر كذا من المال بعد العتق فقال السيد قبله فالقول للسيد إن كانت الغلة هالكة ، وإن كانت قائمة فالقول للعبد ، ويأخذه من المولى لأنه أقر بالأخذ ثم بالإضافة يريد التملك عليه فكان مدعيا ، وكذا الوصي لو ادعى بعد بلوغ اليتيم أنه أنفق عليه كذا وهو في يده وادعى اليتيم أنه استهلكه فالقول قول الوصي ، ذكره المحبوبي .

واستشكل بما ذكره في باب جناية المملوك فيمن أعتق جاريته ثم قال لها قطعت يدك وأنت أمتي فقالت بل وأنا حرة فالقول لها ، وكذا كل ما أخذ منها عند أبي حنيفة وأبي يوسف مع أنه منكر بإسناده إلى الحالة المعهودة المنافية للضمان ، ولو قلت أقر هناك بسبب الضمان وهو القطع ثم ادعى ما يبرئه فلا يسمع فهاهنا أيضا أقر بسبب الضمان وهو إقراره للمقر له بشيء ثم ادعى ما يبرئه بذهاب العقل ، وكذا القاضي إذا أقر بعد العزل بالأخذ ثم ادعى ما يبرئه بالإسناد وكذا الوصي . أجيب بالفرق بأن المولى أقر بأخذ مال الغير وادعى جهة التملك لنفسه فيصدق في الإقرار لا في جهة التملك ، كما لو قال أخذت منك ألفا هي ديني عليك أو الهبة التي وهبتها وأنكر الآخر كان القول للآخر ، وكذا لو قال أكلت طعامك بإذنك وقال : بغير إذني فالقول لصاحب الطعام ، بخلاف القاضي والوكيل والوصي لأنهم ما ادعوا جهة التملك لأنفسهم ، وكذا في دعوى الطلاق والعتاق ما ادعوا التملك لأنفسهم لما هو ملك الغير فكان القول [ ص: 363 ] قولهم في إضافتهم إلى الحالة المعهودة المنافية ( قوله ولو أقر القاطع أو الآخذ في هذا الفصل ) وهو فصل زعم لمأخوذ منه والمقطوع أن القاضي فعل ذلك قبل التقليد أو بعد العزل فأقر القاطع والقابض إني فعلت ذلك بأمر القاضي وهو على قضائه ، والمأخوذ منه والمقطوع يده يقول بل قبله أو بعده ( يضمنان ) ولا يضمن القاضي ( لأنهما أقرا بسبب الضمان ) وهو مباشرتهما الأخذ والقطع ( وقبول قول القاضي ) في ذلك ( لدفع الضمان عن نفسه ) بسبب يخصه وهو كي لا يمتنع الناس عن قبوله فتضيع الحقوق وهي مفسدة عظيمة فلا يوجب بطلانه عن غيره لعدم الاشتراك في ذلك السبب . وقوله ( ولو كان المال في يد الآخذ قائما ) هذا قيد فيما يلزم جواب المسألة المذكورة في الصورتين بحسب الظاهر ، فإن لازم كون القول للقاضي وللقاطع والآخذ في صورة التصادق على أن الفعل كان في حالة القضاء أنه لا رجوع بالمال المأخوذ للمأخوذ منه مطلقا فإنه قد حكم بنفاذ قوله فأفاد أن ذلك : أعني عدم الرجوع فيما إذا كان المأخوذ هالكا ، أما إذا كان قائما فيؤخذ من القابض سواء صدق [ ص: 364 ]

القابض في أنه أخذه في حال قضائه أو كذبه وقال بل قبل التقليد أو بعد العزل ، علله محمد في الزيادات فقال لأن الشيء قائم بعينه فلا يصدق أنه أخذه على وجه الحكم ، قالوا : معناه أن القاضي لما أقر بالأخذ يصير شاهدا لغيره بالكلام الثاني ، وإقراره بالأخذ صحيح وشهادته بالملك لغيره باطلة ، ولأن القابض أقر بسبب الضمان حيث أقر أن اليد كانت للمأخوذ منه فلا تسمع دعواه التملك عليه إلا ببينة ، وقول المعزول ليس ببينة عليه لأنه ليس شاهدا بالدين بل بفعل نفسه المنافي للضمان .




الخدمات العلمية