الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 5024 ) مسألة ; قال : ( ولا يرث النساء من الولاء إلا ما أعتقن ، أو أعتق من أعتقن ، أو كاتبن ، أو كاتب من كاتبن ) ، وقد روي عن أبي عبد الله رحمه الله في بنت المعتق خاصة ، أنها ترث ; لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ، { أنه ورث بنت حمزة من الذي أعتقه حمزة } قوله : " ولا يرث النساء من الولاء " . ; لما قدمنا من أن الولاء لا يورث ، ولهذا قال : " إلا ما أعتقن " . ومعتقهن ولاؤه لهن ، فكيف يرثنه ، والظاهر من المذهب أن النساء لا يرثن بالولاء إلا ما أعتقن ، أو أعتق من أعتقن ، وجر الولاء إليهن من أعتقن . والكتابة كذلك فإنها إعتاق . قال القاضي : هذا ظاهر كلام أحمد . والرواية التي ذكرها الخرقي في ابنة المعتق ما وجدتها منصوصة عنه . وقد قال ، في رواية ابن القاسم ، وقد سأله : هل كان المولى لحمزة أو لابنته ؟ فقال : لابنته . فقد نص على أن ابنة حمزة ورثت بولاء نفسها ; لأنها هي المعتقة . وهذا قول الجمهور ، وهو قول من سمينا في أول الباب من الصحابة والتابعين ومن بعدهم غير شريح . والصحيح الأول ; لإجماع الصحابة ومن بعدهم عليه ، ولأن الولاء لحمة كلحمة النسب ، والمولى كالنسيب من الأخ والعم ونحوهما ، فولده من العتيق بمنزلة ولد أخيه وعمه ، ولا يرث منهم إلا الذكور خاصة . فأما رواية الخرقي في بنت المعتق ، فوجهها ما روى إبراهيم النخعي ، أن مولى لحمزة مات ، وخلف بنتا ، فورث النبي صلى الله عليه وسلم بنته النصف ، وجعل لبنت حمزة النصف . والصحيح أن المولى كان لبنت حمزة . قال عبد الله بن شداد { : كان لبنت حمزة مولى أعتقته ، فمات ، وترك ابنته ومولاته بنت حمزة ، فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطى ابنته النصف وأعطى مولاته بنت حمزة النصف } . قال عبد الله بن شداد : أنا أعلم بها ; لأنها أختي من أمي ، أمنا سلمى . رواه ابن اللبان بإسناده ، وقال : هذا أصح مما روى إبراهيم . ولأن البنت من النساء ، فلا ترث بالولاء كسائر النساء . فأما توريث المرأة من معتقها ، ومعتق معتقها ، ومن جر ولاء معتقها ، فليس فيه اختلاف بين أهل العلم . وقد نص النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك ، فإن عائشة { أرادت شراء بريرة لتعتقها ، ويكون ولاؤها لها ، فأراد أهلها اشتراط ولائها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اشتريها ، واشترطي لهم الولاء ، فإنما الولاء لمن أعتق . } متفق عليه . وقال عليه السلام : { تحوز المرأة ثلاثة مواريث عتيقها ، ولقيطها ، وولدها الذي لاعنت عليه . } قال الترمذي : هذا حديث حسن . ولأن المعتقة منعمة بالإعتاق ، كالرجل ، فوجب أن تساويه في الميراث . وفي حديث مولى بنت حمزة ، الذي ذكرناه ، تنصيص على توريث المعتقة .

                                                                                                                                            وأما معتق أبيها ، فهو [ ص: 292 ] بمنزلة عمها ، أو عم أبيها فلا ترثه ، ويرثه أخوها ، كالنسب . ومن مسائل ذلك : رجل مات وخلف ابن معتقه ، وبنت معتقه ، فالميراث لابن معتقه خاصة . وعلى الرواية الأخرى ، يكون الميراث بينهما أثلاثا . فإن لم يخلف إلا بنت معتقه ، فلا شيء لها ، وماله لبيت المال ، إلا على الرواية الأخرى ، فإن الميراث لها . وإن خلف أخت معتقه ، فلا شيء لها ، رواية واحدة . وكذلك إن خلف أم معتقه أو جدة معتقه أو غيرهما . وإن خلف أخا معتقه وأخت معتقه ، فالميراث للأخ . ولو خلف بنت معتقه وابن عم معتقه أو معتق معتقه ، أو ابن معتق معتقه ، فالمال له دون البنت ، إلا على الرواية الأخرى ، فإن لها النصف ، والباقي للعصبة . وإن خلف بنته ومعتقه ، فلبنته النصف والباقي لمعتقه ، كما في قصة مولى بنت حمزة ; فإنه مات وخلف بنته وبنت حمزة التي أعتقته ، فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم بنته النصف ، والباقي لمولاته . وإن خلف ذا فرض سوى البنت ، كالأم ، أو الجدة أو الأخت ، أو الأخ من الأم ، أو الزوج ، أو الزوجة ، أو من لا يستغرق فرضه المال أومولاه أو مولاته ، فإن لذي الفرض فرضه ، والباقي لمولاه أو مولاته . في قول جمهور العلماء . وقد سبق ذكر ذلك . رجل وابنته ، أعتقا عبدا ، ثم مات الأب ، وخلف ابنه وبنته ، فماله بينهما أثلاثا ، ثم مات العبد ، فللبنت النصف ; لأنها مولاة نصفه ، والباقي لابن المعتق خاصة ، إلا على الرواية الضعيفة ، فإن الباقي يكون بينهما على ثلاثة ، فيكون للبنت الثلثان ، ولأخيها الثلث . وإن ماتت البنت قبل العبد ، وخلفت ابنا ، ثم مات العبد فلابنها النصف ، والباقي لأخيها . ولو لم تخلف البنت إلا بنتا ، كان الولاء كله لأخيها دون بنتها ، إلا على الرواية الأخرى ، فإن لبنتها النصف ، والباقي لأخيها . وإن مات الابن قبل العبد ، وخلف بنتا ، ثم مات العبد ، وخلف معتقة نصفه وبنت أخيها ، فللمعتقة نصف ماله ، وباقيه لبيت المال . وعلى الرواية الأخرى ، لها النصف بإعتاقها ، ونصف الباقي ; لأنها بنت معتق النصف ، والباقي لعصبة أبيها . ولو كانت البنت ماتت أيضا قبل العبد ، وخلفت ابنها ، ثم مات العبد ، فلابنها النصف ، ولا شيء لبنت أخيها . امرأة أعتقت أباها ، ثم أعتق أبوها عبدا ، ثم مات الأب ، ثم العبد ، فمالهما لها . فإن كان أبوها خلف بنتا أخرى معها ، فلهما ثلثا مال الأب بالنسب ، والباقي للمعتقة بالولاء ، ومال العبد جميعه للمعتقة دون أختها . ويتخرج على الرواية الأخرى ، أن يكون لهما ثلثا مال العبد أيضا ، وباقيه للمعتقة . ولو كان الأب خلف مع المعتقة ابنا ، فمال الأب بينهما أثلاثا بالبنوة ، ومال العبد كله للابن دون أخته ; المعتقة ; لأنه يرث بالنسب ، والنسب مقدم على الولاء . ولو خلف الأب أخا ، أو عما ، أو ابن عم مع البنت ، فللبنت نصف ميراث أبيها ، وباقيه لعصبته ، ومال العبد لعصبته ، ولا شيء لبنته فيه ; لأن العصبة من النسب مقدم على المعتق في الميراث ، إلا على رواية الخرقي ، فإن للبنت نصف ميراث العبد ، لكونها بنت المعتق ، وباقيه لعصبته . امرأة وأخوها ، أعتقا أباهما ، ثم أعتق أبوهما عبدا ، ثم مات الأب ، فماله بينهما أثلاثا ، ثم إذا مات العبد فميراثه للابن دون أخته ; لأنه ابن المعتق يرثه بالنسب ، وهي مولاة المعتق ، وابن المعتق ، مقدم على مولاه . فإن مات أخوها قبل أبيه ، وخلف بنتا ، فماله بين ابنته وأبيه نصفين . ثم إذا مات الأب ، فقد خلف بنته وبنت ابنه ، وبنته مولاة نصفه ، فلبنته النصف ولبنت ابنه السدس ، ويبقى الثلث لبنته نصفه ، وهو السدس ; لأنها مولاة نصفه ، يبقى السدس لموالي الأخ إن كان ابن معتقه وهم أخته ، وموالي أمه ، فلأخته نصف السدس ، [ ص: 293 ] والنصف الباقي لمولى أمه ، فحصل لأخيه النصف والربع والسدس . وإن لم يكن ابن معتقه ، بل كانت أمه حرة الأصل ، فلا ولاء عليه ، وتأخذ أخته الباقي كله بالرد إن لم يخلف الأب عصبة ، فإن خلف الأب عصبة من نسبه ، كأخ أو عم أو ابن عم أو عم أب ، فلبنته النصف ، ولبنت ابنه السدس ، والباقي لعصبته . ولو اشترى رجل وأخته أخاهما ، ثم اشترى أخوهما عبدا فأعتقه ، ثم مات أخوهما ، فماله بينهما أثلاثا . ثم إذا مات عتيقه فميراثه لأخيه دون أخته . ولو مات الأخ المعتق قبل موت العبد ، وخلف ابنة ، ثم مات العبد ، فميراثه لابن أخيها دونها ; لأنه ابن أخي المعتق . وإن لم يخلف الأخ إلا بنته ، فنصف مال العبد للأخت ; لأنها معتقة نصف معتقه ، ولا شيء لبنت الأخ ، رواية واحدة ، والباقي لبيت المال .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية