الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا

استئناف بياني لبيان ما نشأ عن جملة ( نبتليه ) ولتفصيل جملة ( فجعلناه سميعا بصيرا ) ، وتخلص إلى الوعيد على الكفر والوعد على الشكر .

وهداية السبيل : تمثيل لحال المرشد . والسبيل : الطريق الجادة إلى ما فيه النفع بواسطة الرسل إلى العقائد الصحيحة والأعمال الصالحة التي هي سبب فوزه بالنعيم الأبدي ، بحال من يدل السائر على الطريق المؤدية إلى مقصده من سيره .

وهذا التمثيل ينحل إلى تشبيهات أجزاء الحالة المركبة المشبهة بأجزاء الحالة المشبه بها ، فالله تعالى كالهادي ، والإنسان يشبه السائر المتحير في الطريق ، وأعمال الدين تشبه الطريق ، وفوز المتتبع لهدي الله يشبه البلوغ إلى المكان المطلوب .

وفي هذا النداء على أن الله أرشد الإنسان إلى الحق وأن بعض الناس أدخلوا على أنفسهم ضلال الاعتقاد ومفاسد الأعمال فمن برأ نفسه من ذلك فهو الشاكر [ ص: 376 ] وغيره الكفور ، وذلك تقسيم بحسب حال الناس في أول البعثة ، ثم ظهر من خلطوا عملا صالحا وأخر سيئا .

وتأكيد الخبر بـ ( إن ) للرد على المشركين الذين يزعمون أن ما يدعوهم إليه القرآن باطل .

و ( إما شاكرا وإما كفورا ) حالان من ضمير الغيبة في هديناه ، وهو ضمير ( الإنسان ) .

و ( إما ) حرف تفصيل ، وهو حرف بسيط عند الجمهور . وقال سيبويه : هو مركب من حرف ( إن ) الشرطية و ( ما ) النافية . وقد تجردت ( إن ) بالتركيب على الشرطية كما تجردت ( ما ) عن النفي ، فصار مجموع ( إما ) حرف تفصيل ولا عمل لها في الاسم بعدها ولا تمنع العامل الذي قبلها عن العمل في معموله الذي بعدها فهي في ذلك مثل ( ال ) حرف التعريف . وقدر بعض النحاة ( إما ) الثانية حرف عطف وهو تحكم إذ جعلوا الثانية عاطفة وهي أخت الأولى ، وإنما العاطف الواو وإما مقحمة بين الاسم ومعموله كما في قول تأبط شرا :


هما خطتا إما إسـار ومـنة وإما دم والموت بالحر أجدر

فإن الاسمين بعد ( إما ) في الموضعين من البيت مجروران بالإضافة ولذلك حذفت النون من قوله : هما خطتا ، وذلك أفصح كما جاء في هذه الآية .

قال ابن جني : أما من جر ( إسار ) فإنه حذف النون للإضافة ولم يعتد ( إما ) فاصلا بين المضاف والمضاف إليه وعلى هذا تقول : هما إما غلاما زيد وإما عمرو وأجود من هذا أن تقول : هما خطتا إسار ومنة وإما خطتا دم ثم قال : وأما الرفع فطريق المذهب ، وظاهر أمره أنه على لغة من حذف النون لغير الإضافة فقد حكي ذلك ، إلخ .

ومقتضى كلامه أن البيت روي بالوجهين الجر والرفع وقريب منه كلام المرزوقي وزاد فقال : وحذف النون إذا رفعت " إسار " استطالة للاسم كأنه استطال خطتا ببدله وهو قوله : إما إسار ، إلخ .

والمعنى : إنا هديناه السبيل في حال أنه متردد أمره بين أحد هذين الوصفين [ ص: 377 ] وصف شاكر ووصف كفور ، فأحد الوصفين على الترديد مقارن لحال إرشاده إلى السبيل ، وهي مقارنة عرفية ، أي عقب التبليغ والتأمل ، فإن أخذ بالهدى كان شاكرا وإن أعرض كان كفورا كمن لم يأخذ بإرشاد من يهديه الطريق فيأخذ في طريق يلقى به السباع أو اللصوص ، وبذلك تم التمثيل الذي في قوله ( إنا هديناه السبيل ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية