الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          [ ص: 525 ] ويلحقه الولد بوطء شبهة كعقد : نصه عليه وذكره شيخنا ( ع ) خلافا لأبي بكر ، وذكره ابن عقيل رواية ، وفي كل نكاح فاسد فيه شبهة نقله الجماعة ، وقيل : لم يعتقد فساده ، وفي كونه كصحيح أو كملك يمين وجهان ، وفي الفنون : لم يلحقه أبو بكر في نكاح بلا ولي ( م 8 ) وإن أنكر ولدا بيد زوجته أو مطلقته أو سريته فشهدت امرأة ، وعنه : ثنتان بولادته لحقه .

                                                                                                          وقيل : يقبل قولها ، وقيل : قول الزوجة ، ثم هل له نفيه ؟ فيه وجهان ( م 9 ) وعلى الأول في المغني [ عن القاضي ] ، يصدق فيه [ ص: 526 ] لتنقضي عدتها به ، ولا أثر لشبهة مع فراش ، ذكره جماعة ، واختار شيخنا : تبعض الأحكام { لقوله واحتجبي منه يا سودة } [ وعليه نصوص أحمد ، لأنه احتج به على أن الزنا يحرم وأن بنته من الزنا تحرم وبما ] يروى عن عمر من وجهين أنه ألحق أولاد العاهرين في الجاهلية بآبائهم .

                                                                                                          وفي عيون المسائل : أمره لسودة بالاحتجاب يحتمل أنه رأى قوة شبهه من الزاني فأمرها بذلك ، أو قصد أن يبين أن للزوج حجب زوجته عن أخيها ، واختار شيخنا أنه إن استلحق ولده من زنا ولا فراش لحقه .

                                                                                                          ونص أحمد فيها : لا يلحقه هنا ، وفي الانتصار : في نكاح الزانية يسوغ الاجتهاد فيه ، ثم قال : وذكر ابن اللبان في الإيجاز أنه مذهب الحسن وابن سيرين وعروة والنخعي وإسحاق ، وكذا في عيون المسائل ، لكنه لم يذكر ابن اللبان .

                                                                                                          وفي الانتصار : يلحقه بحكم حاكم ، ذكر أبو يعلى الصغير وغيره مثل ذلك ومن قال : يلحقه قال لم يخالف { قوله عليه السلام الولد للفراش وللعاهر الحجر } لأنه إنما يدل مع الفراش ، لكن يدل ما رواه أبو داود في باب ادعاء ولد الزنا : حدثنا شيبان بن فروخ ، حدثنا [ ص: 527 ] محمد بن راشد ، وحدثنا الحسن بن علي حدثنا يزيد بن هارون ، أنبأنا محمد بن راشد وهو أشبع عن سليمان بن موسى ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه عن جده { أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى أن كل مستلحق بعد أبيه يدعى له ادعاه ورثته فقضى أن كل من كان من أمة يملكها يوم أصابها فقد لحق بمن استلحقه ، وليس له مما قسم قبله من الميراث ، وما أدرك من ميراث لم يقسم فله نصيبه ، ولا يلحق إذا كان أبوه الذي يدعي له أنكره ، وإن كان من أمة لم يملكها أو من حرة عاهر بها فإنه لا يلحق ، ولا يرثه ، وإن كان الذي يدعي له هو ادعاء فهو ولد زنية من حرة كان أو أمة } ، حدثنا محمود بن خالد ، حدثنا أبي عن محمد بن راشد بإسناده ومعناه ، زاد : { وهو ولد زنا لأهل أمه من كانوا ، حرة أو أمة ، وذلك فيما استلحق في أول الإسلام ، فما اقتسم من مال قبل الإسلام فقد مضى } . عمرو بن شعيب فيه كلام مشهور ، وحديثه حسن ، ومحمد بن راشد وثقه أحمد وابن معين وغيرهما ، وقال جماعة : صدوق .

                                                                                                          وقال ابن عدي : إذا حدث عنه ثقة فحديثه مستقيم ، وقال الدارقطني : يعتبر به .

                                                                                                          وقال ابن حبان : لم يكن الحديث من صنعته فكثر المناكير في حديثه فاستحق ترك الاحتجاج به ، كذا قال ، والصواب كلام الأئمة قبله ، [ ص: 528 ] فهذا حديث حسن ، قال بعضهم : كان قوم في الجاهلية لهم إماء بغايا تلد وقد زنت فيدعي سيدها الولد ، ويدعيه الزاني ، حتى جاء الإسلام ، فقضى عليه السلام بالولد للسيد لأنه صاحب الفراش ، ونفاه عن الزاني ، وقوله { قضى أن كل مستلحق } إلى قوله { وليس له مما قسم قبله من الميراث شيء } ، لأنه صار ابنه حينئذ ، فهو تجديد حكم بنسبه ، إذ لم يكن حكم البنوة ثابتا ، وما أدرك من ميراث لم يقسم فله نصيبه منه ، لأن الحكم ثبت قبل قسمة الميراث " فيستحق منه نصيبه . نظير هذا من أسلم على ميراث قبل قسمه ، فثبوت النسب هنا بمنزلة الإسلام بالنسبة إلى الميراث ، قوله { ولا يلحق إذا كان أبوه الذي يدعى له أنكره } يبين أن التنازع بين الورثة ، فالصورة الأولى استلحقه ورثة أبيه الذي كان يدعى له ، وهذه الصورة استلحقوه وأبوه الذي يدعى له كان ينكره ، فلا يلحقه ، لأن الأصل الذي للورثة خلف عنه منكر له هذا إذا كان من أمة يملكها ، وأما إذا كان [ من أمة ] لم يملكها أو من حرة عاهر بها فإنه لا يلحقه ولا يرث ، وإن ادعاه الواطئ وهو ولد زنية من حرة كان أو من أمة لأهل أمه من كانوا حرة كانت [ ص: 529 ] أو أمة ، وأما ما اقتسم من مال قبل الإسلام فقد مضى ، وروى أبو داود قبله من حديث سلم بن أبي الذيال حدثني بعض أصحابنا عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعا : { لا مساعاة في الإسلام ، من ساعى في الجاهلية فقد لحق بعصبته ، ومن ادعى ولدا من غير رشدة فلا يرث ولا يورث } قال أحمد في سلم : ثقة ما أصلح حديثه فالظاهر من حاله أن صاحبه ومن يروى عنه ثقة ، لا سيما وهو يروى عن سعيد بن جبير ، ورواه أحمد ، ولفظه { فقد ألحقته بعصبته } والمساعاة الزنا ، تسمى مساعاة ; لأن كل واحد يسعى لصاحبه في حصول غرضه ، فأبطل الإسلام ذلك وعفا عما كان منها في الجاهلية وألحق النسب به .

                                                                                                          وفي نهاية ابن الأثير : وعفا عما كان منها في الجاهلية ممن ألحق بها . وروى أبو داود في ( باب الولد للفراش ) : حدثنا زهير بن حرب حدثنا يزيد بن هارون أنبأنا حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال { : قام رجل فقال : يا رسول الله إن فلانا ابني ، عاهرت بأمه في الجاهلية . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا دعوة في الإسلام ، ذهب أمر الجاهلية ، الولد للفراش وللعاهر الحجر } حديث صحيح . وتبعية النسب للأب ( ع ) ما لم ينتف منه ، كابن ملاعنة ، فولد [ ص: 530 ] قرشي من غير قرشية قرشي لا عكسه وتبعية حرية ورق للأم ( ع ) إلا من عذر للعيب أو غرور ، [ وظاهره ولد ] ويتبع خيرهما دينا . وقاله شيخنا .

                                                                                                          ويتبع ما أكل أبواه أو أحدهما ، تقدم في نكاح الأمة العيب والغرور ، وذكر في عيون المسائل أنه يوجد العبد من الحرة وهو ولد الأمة المعلق عتقها بمجيئه عبدا ، كذا قال .

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          ( مسألة 8 ) قوله : ويلحقه الولد بوطء شبهة كعقد ، نص عليه ، وفي كل نكاح فاسد فيه شبهة ، نقله الجماعة ، وقيل : لم يعتقد فساده ، وفي كونه كصحيح أو كملك يمين وجهان ، وفي الفنون : لم يلحقه أبو بكر في نكاح بلا ولي ، انتهى .

                                                                                                          قال في الرعايتين والحاوي الصغير : وهل يلحق النكاح الفاسد بالصحيح أم بملك اليمين ؟ على وجهين ، انتهى .

                                                                                                          ( قلت ) : الصواب أنه كالصحيح ، فيعطى حكمه من ثبوت الفراش به قبل الوطء وغيره .

                                                                                                          ( مسألة 9 ) قوله : وإن أنكر ولدا بيد زوجته أو مطلقته أو سريته فشهدت [ ص: 526 ] امرأة وعنه ثنتان بولادته لحقه ، وقيل : يقبل قولها ، وقيل : قول الزوجة ، ثم هل له نفيه ؟ فيه وجهان ، انتهى .

                                                                                                          ( أحدهما ) له نفيه ، وهذا ضعيف فيما يظهر .

                                                                                                          ( والوجه الثاني ) ليس له نفيه .

                                                                                                          ( قلت ) : وهو الصواب .




                                                                                                          الخدمات العلمية