الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
مطلب : في دية المقتول في الحرم والشهر الحرام . [ ص: 210 ] واختلف السلف وفقهاء الأمصار في المقتول في الحرم والشهر الحرام ، فقال أبو حنيفة ومحمد وزفر وابن أبي ليلى ومالك : " القتل في الحرم والشهر الحرام كهو في غيره فيما يجب من الدية والقود " . وسئل الأوزاعي عن القتل في الشهر الحرام والحرم هل تغلظ الدية فيه ؟ قال : " بلغنا أنه إذا قتل في الحرم أو الشهر الحرام زيد على العقل ثلثه ويزاد في شبه العمد في أسنان الإبل " .

وذكر المزني عن الشافعي في مختصره ، وذكر تغليظ الدية في شبه العمد وقال : " الدية في هذا على العاقلة ، وكذلك الجراح ، وكذلك التغليظ في النفس والجراح في الشهر الحرام والبلد الحرام وذوي الرحم " وروي عن عثمان أنه قضى في دية امرأة قتلت بمكة بدية وثلث وروى إبراهيم عن الأسود أن رجلا أصيب عند البيت ، فسأل عمر عليا ، فقال له علي : " ديته من بيت المال " فلم ير فيه علي أكثر من الدية ، ولم يخالفه عمر .

وقال الله تعالى : ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله وهو عام في الحل والحرم ، ولما كانت الكفارة في الحرم كهي في الحل لا فرق بينهما وإن كان ذلك كله حقا لله تعالى ، وجب أن تكون الدية كذلك ؛ إذ الدية حق لآدمي ولا تعلق لها بالحرم ولا بالشهر الحرام ؛ لأن حرمة الحرم والشهر الحرام إنما هي حق لله تعالى ، فلو كان لحرمة الحرم والأشهر تأثير في إلزام الغرم لكان تأثيره في الكفارة التي هي حق الله تعالى أولى . ويدل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم : ألا إن قتيل خطإ العمد قتيل السوط والعصا فيه مائة من الإبل ولم يفرق بين الحل والحرم .

وقد اختلف التابعون في ذلك ، فروي عن سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وأبي بكر بن عبد الرحمن وخارجة بن زيد وعبيد الله بن عبد الله وسليمان بن يسار : " الدية في الحرم كهي في غيره ، وكذلك الشهر الحرام " . وروي عن القاسم بن محمد وسالم بن عبد الله : " أن من قتل في الحرم زيد على ديته مثل ثلثها " والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية