الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( و ) من أدلة الفقه أيضا ( تحكيم العادة ) وهو معنى قول الفقهاء " إن العادة محكمة " أي معمول بها شرعا ; لحديث يروى عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه ، موقوفا عليه وهو { ما رآه المؤمنون حسنا فهو عند الله حسن } ولقول ابن عطية في قوله تعالى { خذ العفو وأمر بالعرف } : إن معنى العرف : كل ما عرفته النفوس مما لا ترده الشريعة ، قال ابن ظفر في الينبوع " العرف " ما عرفه العقلاء بأنه حسن ، وأقرهم الشارع عليه وكل ما تكرر من لفظ " المعروف " في القرآن نحو قوله سبحانه { وعاشروهن بالمعروف } فالمراد به ما يتعارفه الناس في ذلك الوقت من مثل ذلك الأمر [ ص: 600 ] ومن ذلك : قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم بعضكم على بعض كذلك يبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم } فأمر بالاستئذان في الأوقات التي جرت العادة فيها بالابتذال ووضع الثياب ، فابتنى الحكم الشرعي على ما كانوا يعتادونه .

ومنها قوله صلى الله عليه وسلم لهند { خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف } وقوله صلى الله عليه وسلم لحمنة بنت جحش { تحيضي في علم الله تعالى ستا أو سبعا ، كما تحيض النساء وكما يطهرن لميقات حيضهن وطهرهن } رواه الترمذي وصححه الحاكم ، وحديث أم سلمة { أن امرأة كانت تهراق الدم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فاستفتت لها أم سلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : لتنظر عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها ذلك فلتترك الصلاة } رواه أبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما ومن ذلك : حديث حرام بن محيصة الأنصاري ، عن البراء بن عازب { أن ناقة البراء دخلت حائطا فأفسدت فيه ، فقضى النبي صلى الله عليه وسلم على أهل الحيطان حفظها بالنهار ، وعلى أهل المواشي حفظها بالليل } رواه أبو داود وصححه جماعة . وهو أدل شيء على اعتبار العادة في الأحكام الشرعية ; إذ بنى النبي صلى الله عليه وسلم التضمين على ما جرت به العادة وضابطه كل فعل رتب عليه الحكم ، ولا ضابط له في الشرع ولا في اللغة ، كإحياء الموات ، والحرز في السرقة ، والأكل من بيت الصديق . وما يعد قبضا وإيداعا وإعطاء وهدية وغصبا ، والمعروف في المعاشرة

وانتفاع المستأجر بما جرت به العادة . وأمثال هذه كثيرة لا تنحصر . ومأخذ هذه القاعدة وموضعها من أصول الفقه في قولهم " الوصف المعلل به قد يكون عرفيا " أي من مقتضيات العرف وفي باب التخصيص في تخصيص العموم بالعادة .

التالي السابق


الخدمات العلمية