الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                        صفحة جزء
                                                        [ ص: 18 ] 44 - وما قد حدثنا ابن خزيمة قال : ثنا حجاج قال : ثنا حماد بن سلمة عن حماد بن أبي سليمان أنه قال في دجاجة وقعت في بير فماتت ؟ قال : ينزح منها قدر أربعين دلوا أو خمسين ، ثم يتوضأ منها .

                                                        فهذا من روينا عنه ، من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتابعيهم ، قد جعلوا مياه الآبار نجسة بوقوع النجاسات فيها ، ولم يراعوا كثرتها ولا قلتها ، وراعوا دوامها وركودها ، وفرقوا بينها وبين ما يجري مما سواها .

                                                        فإلى هذه الآثار مع ما تقدمها مما رويناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ذهب أصحابنا في النجاسات التي تقع في الآبار ولم يجز لهم أن يخالفوها لأنه لم يرو عن أحد خلافها .

                                                        فإن قال قائل : فأنتم قد جعلتم ماء البير نجسا بوقوع النجاسة فيها فكان ينبغي أن لا تطهر تلك البير أبدا ؛ لأن حيطانها قد تشربت ذلك الماء النجس ، واستكن فيها ، فكان ينبغي أن تطم .

                                                        قيل له : لم تر العادات جرت على هذا قد فعل عبد الله بن الزبير ما ذكرنا في زمزم بحضرة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكروا ذلك عليه ولا أنكره من بعدهم ، ولا رأى أحد منهم طمها وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإناء الذي قد نجس من ولوغ الكلب فيه ؛ أن يغسل ؛ ولم يأمر بأن يكسر ؛ وقد شرب من الماء النجس .

                                                        فكما لم يؤمر بكسر ذلك الإناء ، فكذلك لا يؤمر بطم تلك البير .

                                                        فإن قال قائل : فإنا قد رأينا الإناء يغسل ، فلم لا كانت البير كذلك ؟

                                                        قيل له : إن البير لا يستطاع غسلها ؛ لأن ما يغسل به يرجع فيها وليست كالإناء الذي يهراق منه ما يغسل به .

                                                        فلما كانت البير مما لا يستطاع غسلها ، وقد ثبت طهارتها في حال ما . وكان كل من أوجب نجاستها بوقوع النجاسة فيها وقد أوجب طهارتها بنزحها ، وإن لم ينزح ما فيها من طين .

                                                        فلما كان بقاء طينها فيها ، لا يوجب نجاسة ما يطرأ فيها من الماء وإن كان يجري على ذلك الطين كان إذا ما بين حيطانها أحرى أن لا ينجس ، ولو كان ذلك مأخوذا من طريق النظر ، لما طهرت حتى تغسل حيطانها ويخرج طينها ويحفر فلما أجمعوا أن نزح طينها وحفرها غير واجب ، كان غسل حيطانها أحرى أن لا يكون واجبا .

                                                        وهذا كله ، قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد ، رحمهم الله تعالى .

                                                        التالي السابق


                                                        الخدمات العلمية