الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

في هديه وسيرته صلى الله عليه وسلم في نومه وانتباهه

كان ينام على الفراش تارة ، وعلى النطع تارة ، وعلى الحصير تارة ، وعلى الأرض تارة ، وعلى السرير تارة بين رماله وتارة على كساء أسود .

قال عباد بن تميم ، عن عمه رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستلقيا في المسجد واضعا إحدى رجليه على الأخرى .

وكان فراشه أدما حشوه ليف . وكان له مسح ينام عليه يثنى بثنيتين ، وثني له يوما أربع ثنيات فنهاهم عن ذلك وقال : ( ردوه إلى حاله الأول فإنه منعني صلاتي الليلة )

والمقصود أنه نام على الفراش وتغطى باللحاف وقال لنسائه : ( ما أتاني جبريل وأنا في لحاف امرأة منكن غير عائشة ) .

وكانت وسادته أدما حشوها ليف .

[ ص: 150 ] وكان إذا أوى إلى فراشه للنوم قال : ( باسمك اللهم أحيا وأموت )

( وكان يجمع كفيه ثم ينفث فيهما ) وكان يقرأ فيهما : قل هو الله أحد و قل أعوذ برب الفلق و قل أعوذ برب الناس ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما على رأسه ، ووجهه ، وما أقبل من جسده يفعل ذلك ثلاث مرات .

وكان ينام على شقه الأيمن ويضع يده اليمنى تحت خده الأيمن ثم يقول : ( اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك ) . وكان يقول إذا أوى إلى فراشه : ( الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا فكم ممن لا كافي له ولا مؤوي ) ذكره مسلم . وذكر أيضا أنه كان يقول إذا أوى إلى فراشه ( اللهم رب [ ص: 151 ]

السماوات والأرض ، ورب العرش العظيم ، ربنا ورب كل شيء ، فالق الحب والنوى ، منزل التوراة والإنجيل والفرقان ، أعوذ بك من شر كل ذي شر أنت آخذ بناصيته ، أنت الأول فليس قبلك شيء ، وأنت الآخر فليس بعدك شيء ، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء ، وأنت الباطن فليس دونك شيء ، اقض عنا الدين وأغننا من الفقر
)

وكان إذا استيقظ من منامه في الليل قال : ( لا إله إلا أنت سبحانك اللهم إني أستغفرك لذنبي ، وأسألك رحمتك ، اللهم زدني علما ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني ، وهب لي من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب )

وكان إذا انتبه من نومه قال : ( الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور ) . ثم يتسوك ، وربما قرأ العشر الآيات من آخر ( آل عمران ) من قوله ( إن في خلق السماوات والأرض ) إلى آخرها [ آل عمران : [ ص: 152 ] 190 - 200 ] .

وقال ( اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد أنت الحق ووعدك الحق ، ولقاؤك حق ، والجنة حق ، والنار حق ، والنبيون حق ، ومحمد حق ، والساعة حق ، اللهم لك أسلمت ، وبك آمنت ، وعليك توكلت ، وإليك أنبت ، وبك خاصمت ، وإليك حاكمت ، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت ، أنت إلهي ، لا إله إلا أنت )

وكان ينام أول الليل ، ويقوم آخره ، وربما سهر أول الليل في مصالح المسلمين ، وكان تنام عيناه ولا ينام قلبه . وكان إذا نام لم يوقظوه حتى يكون هو الذي يستيقظ .

وكان إذا عرس بليل اضطجع على شقه الأيمن ، وإذا عرس قبيل الصبح نصب ذراعه ووضع رأسه على كفه ، هكذا قال الترمذي . وقال [ ص: 153 ] أبو حاتم في صحيحه : كان إذا عرس بالليل توسد يمينه ، وإذا عرس قبيل الصبح نصب ساعده ، وأظن هذا وهما والصواب حديث الترمذي .

وقال أبو حاتم : والتعريس إنما يكون قبيل الصبح .

وكان نومه أعدل النوم ، وهو أنفع ما يكون من النوم ، والأطباء يقولون : هو ثلث الليل والنهار ثمان ساعات .

التالي السابق


الخدمات العلمية