الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله تعالى : فتحرير رقبة مؤمنة جعل الله من صفة رقبة القتل الإيمان ، ولا خلاف أنها لا تجزي إلا بهذه الصفة ، وهذا يدل على أنه عتق الرقبة المؤمنة أفضل من الكافرة ؛ لأن هذه الصفة قد صارت شرطا في الفرض ، وكذلك من نذر أن يعتق رقبة مؤمنة لم تجزه الكافرة لأنه أوجبها مقرونة بصفة هي قربة وفي ذلك دليل على أن الصدقة على المسلمين أفضل منها على الكفار الذميين وإن كانت تطوعا ، وكذلك جعل الله التتابع في صوم كفارة القتل صفة زائدة ، ولا خلاف أنه لا يجزي إلا بهذه الصفة مع الإمكان ؛ وكذلك قال أصحابنا فيمن أوجب صوم شهر متتابع أنه لا يجزيه التفريق لإيجابه إياه بصفة هي قربة ، فوجبت حين أوجبها كما وجب المنذور من الصوم . قوله تعالى : فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين قال أبو بكر : لم يختلف الفقهاء أنه إذا صام بالأهلة أنه لا يعتبر فيه النقصان ، وأنها إن كانت ناقصة أو تامة أجزأته ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين ، فأمر باعتبار الشهور بالأهلة وأمر عند عدم الرؤية باعتبار الثلاثين ؛ وإن ابتدأ صيام الشهرين من بعض الشهر اعتبر الشهر الثاني بالهلال وبقية الشهر الأول بالعدد تمام ثلاثين ، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد .

وروى أبو يوسف عن أبي حنيفة أنه لا يعتبر الأهلة إلا أن يكون ابتداء صومه بالهلال ، وروي نحوه عن الحسن البصري . والأول أصح ؛ لأنه قد روي في معنى قوله : فسيحوا في الأرض أربعة أشهر أنها بقية ذي الحجة والمحرم وصفر وربيع الأول وبقية من ربيع الآخر ، فاعتبر الكسر بالأيام على التمام وسائر الشهور بالأهلة ؛ وقوله : فصيام شهرين متتابعين معلوم أنه كلفنا التتابع على حسب الإمكان ، وفي العادة أن المرأة لا تخلو من حيض في كل شهر ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 223 ] لحمنة بنت جحش : تحيضي في علم الله ستا أو سبعا كما تحيض النساء في كل شهر ، فأخبر أن عادة النساء حيضة في كل شهر ؛ فإذا كان تكليف صوم التتابع على حسب الإمكان وكانت المرأة إذا كان عليها صوم شهرين متتابعين لم يكن في وسعها في العادة أن تصوم شهرين لا حيض فيهما سقط حكم أيام الحيض ولم يقطع حكم التتابع وصارت أيام الحيض بمنزلة الليل الذي لا يقطع التتابع ؛ وهو قول الشافعي ، وروي عن إبراهيم أنها تستقبل .

وقال أصحابنا : " إذا مرض في الشهرين فأفطر استقبل " وقال مالك : " يصل ويجزيه " وفرقوا بين الحيض والمرض لأنه يمكنه في العادة صيام شهرين متتابعين بلا مرض ولا يمكنها ذلك بلا حيض . ووجه آخر ، وهو أن حدوث المرض لا يوجب الإفطار بل الإفطار بفعله ، والحيض ينافي الصوم لا بفعلها ، فأشبه الليل ولم يقطع التتابع .

قوله تعالى توبة من الله قيل فيه : إن معناه اعملوا بما أوجبه الله للتوبة من الله ؛ أي ليقبل الله توبتكم فيما اقترفتموه من ذنوبكم . وقيل إنه خاص في سبب القتل ، فأمر بالتوبة منه . وقيل معناه توسعة ورحمة من الله ، كما قال : فتاب عليكم وعفا عنكم والمعنى : وسع عليكم وسهل عليكم .

التالي السابق


الخدمات العلمية