الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          ويحرم تشبه رجل بامرأة ، وعكسه في لباس ، وغيره ، واحتج أحمد بلعن فاعل ذلك .

                                                                                                          وفي المستوعب وغيره يكره ، وقد كره أحمد أن يصير للمرأة مثل ثوب الرجال ، ويأتي في زكاة الأثمان ، ويكره نظر ملابس الحرير ، وآنية ذهب وفضة ، إن رغبه في التزين بها ، والمفاخرة ، وحرمه ابن عقيل ، وقال : والتفكر الداعي إلى صور المحظور محظور ، ثم ذكر تفكر الصائم وأنه يحرم استدامة ريح الخمر كاستماع الملاهي ، وأنه يحرم التشبه بالشراب في مجلسه ، وآنيته ، لنهيه عليه السلام عن التشبه بالأعاجم ، وقال في مناظراته : معلوم أن التشبه بالعجم لا يظهر مناسبته للتحريم ، واحتج في الخلاف بهذا [ ص: 360 ] الخبر ، وبقوله عليه السلام . { من تشبه بقوم فهو منهم } على تحريم إناء مفضض ، وقال في مكان آخر : يكره لبس ما يشبه زي الكفار دون العرب ، وقاله أيضا غيره ، وعن ابن عمر مرفوعا : { من تشبه بقوم فهو منهم } رواه أحمد وأبو داود وإسناده صحيح ، قال شيخنا : أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه . وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم ، كما في قوله تعالى : { ومن يتولهم منكم فإنه منهم } قيل : ( من يتولهم ) في الدين ( فإنه منهم ) في مخالفة الأمر ، وذكر المفسرون في قوله { لا تجد قوما } الآية أن الله يبين أن الإيمان يفسد بمودة الكفار ، وإن من كان مؤمنا لم يوال كافرا ولو كان قريبه .

                                                                                                          وقال ابن الجوزي بينت هذه الآية أن ذلك يقدح في صحة الإيمان ولم يرد أنه يصير كافرا بذلك ، وكان المروذي مع أحمد بالعسكر في قصر فأشار إلى شيء على الجدار قد نصب ، فقال له أحمد : لا تنظر إليه ، قال قلت " فقد نظرت إليه " قال : فلا تفعل ، لا تنظر إليه ، قال : وسمعته يقول : تفكرت في هذه الآية { ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى } قال : رزق يوم بيوم خير ، قال ولا تهتم لرزق غد ، قال المروذي : وذكرت رجلا من المحدثين فقال : أنا أشرت به أن يكتب عنه ، وإنما أنكرت عليه حبه للدنيا ، وذكر أبو عبد الله من المحدثين علي بن المديني وغيره ، وقال : كم تمتعوا من الدنيا إني لأعجب من هؤلاء المحدثين حرصهم على الدنيا ، قال وذكرت لأبي عبد الله رجلا من المحدثين ، فقال : إنما أنكرت [ ص: 361 ] عليه أن ليس زيه زي النساك ، قال : ابن الجوزي : قال أبي بن كعب : من لم يتعز بعزاء الله تقطعت نفسه حسرات على الدنيا ، ولمسلم عن أبي عثمان النهدي قال : كتب إلينا عمر يا عتبة بن فرقد " إنه ليس من كدك ، ولا من كد أبيك ، ولا من كد أمك ، فأشبع المسلمين في رحالهم مما تشبع منه في رحلك ، وإياك والتنعم ، وزي أهل الشرك ، ولبوس الحرير " ، وهو في مسند أبي عوانة الإسفراييني ، وغيره بإسناد صحيح ، أما بعد " فاتزروا وارتدوا ، وألقوا الخفاف ، والسراويلات ، وعليكم بلباس أبيكم إسماعيل ، وإياكم والتنعم وزي الأعاجم ، وعليكم بالشمس ، فإنها حمام العرب ، وتمعددوا واخشوشنوا ، واقطعوا الركب ، واتزروا ، وارموا الأعراض " [ زي بكسر الزاي ولبوس بفتح اللام وضم الباء ] ورواه أحمد ، حدثنا يزيد وهو ابن هارون ، ثنا عاصم وهو الأحول عن أبي عثمان النهدي ، عن عمر أنه قال : اتزروا وارتدوا وانتعلوا ، وألقوا الخفاف ، والسراويلات . وألقوا الركب ، وانزوا نزوا وعليكم بالمعدية وارموا الأعراض ، وذروا التنعم وزي العجم ، وإياكم والحرير " حديث صحيح ، وقوله : وانزروا ، أي ثبوا وثبا ، والمعدية اللبسة الحسنة ، إشارة إلى معد بن عدنان ، وروى الطبراني في المعجم عن أبي حدرد الأسلمي مرفوعا { تمعددوا واخشوشنوا } وعن حذيفة مرفوعا " اقتدوا باللذين من بعدي : أبي بكر وعمر ، اهتدوا بهدي عمار ، وتمسكوا بعهد عبد الله بن مسعود { قلت : ما هدي عمار ؟ قال : القشف ، والتشمير } روى أوله ابن ماجه ، والترمذي ، وحسنه ، [ ص: 362 ] وابن حبان والحاكم .

                                                                                                          وقال تفرد به أحمد بن نصر النيسابوري ، قال غيره : وهو ثقة ، وعن معاذ : { أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعثه إلى اليمن قال إياك والتنعم ، فإن عباد الله ليسوا بمتنعمين } رواه أحمد ، قال في كشف المشكل : الآفة في التنعم من أوجه : أحدها أن المشتغل لا يكاد يوفي التكليف حقه ، الثاني أنه من حيث الأكل يورث الكسل ، والغفلة ، والبطر ، والمرح ، ومن اللباس ما يوجب لين البدن ، فيضعف عن عمل شاق ، ويضم ضمنه الخيلاء ، ومن ( حيث ) النكاح يضعف عن أداء اللوازم ، الثالث أن من ألفه صعب عليه فراقه ، فيفنى زمانه في اكتسابه ، خصوصا في النكاح ، فإن المتنعمة تحتاج إلى أضعاف ما تحتاج إليه غيرها ، قال : والإشارة بزي أهل الشرك إلى ما يتفردون به ، فنهى عن التشبه بهم ، بل قال ابن الجوزي : ينبغي غض البصر عن أهل المعاصي ، والظلم ، وزخارف الدنيا ، وما يحببها إلى القلب ، ويأتي في تكفين الميت ، ودفنه ، وزكاة الأثمان ما يتعلق باللباس ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا { إذا لبستم وإذا توضأتم فابدءوا بأيمانكم } إسناده جيد ، رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي ، والنسائي عنه { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استجد ثوبا سماه باسمه : عمامة ، أو قميصا ، أو رداء ، ثم يقول : اللهم لك الحمد ، أنت كسوتنيه ، أسألك خيره وخير ما صنع له ، وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له } إسناده جيد رواه أحمد وأبو داود ، والترمذي ، وحسنه وعن أبي مرحوم عبد الرحيم بن ميمون عن سهل بن معاذ بن أنس [ ص: 363 ] عن أبيه مرفوعا : { من لبس ثوبا فقال الحمد لله الذي كساني هذا ، ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة ، غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر } ، رواه أبو داود والبيهقي ، والحاكم .

                                                                                                          وقال صحيح على شرط البخاري ، وعندهم أيضا { من أكل طعاما فقال الحمد لله الذي أطعمنا هذا } وذكروه ، رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وقال حسن غريب ولم أجد عندهم " وما تأخر " وإسناد هذا الخبر لين ، وغايته أنه حسن وهو إلى الضعف أقرب

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          الخدمات العلمية