الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ومن اجتهد فتزوج بلا ولي ، ثم تغير اجتهاده : حرمت إن لم يكن حكم به ) اعلم أنا إذا قلنا : ينقض الاجتهاد ، فالنظر فيه حينئذ في أمرين أحدهما : فيما يتعلق بنفسه ، ومثاله ما تقدم . والثاني : فيما يتعلق بغيره وهو ما أشير إليه بقوله ( ولا يحرم على مقلد بتغير اجتهاد إمامه ) أما الأول : وهو ما يتعلق بنفسه . فإذا أداه اجتهاده إلى حكم في حق نفسه ، ثم تغير وجه اجتهاده ، كما إذا أداه اجتهاده إلى صحة النكاح بلا ولي ، ثم تغير اجتهاده ، فرأى أنه باطل ، فالأصح التحريم مطلقا واختاره ابن الحاجب ، وحكاه الرافعي عن الغزالي ، ولم ينقل غيره ، وقيل : لا تحريم مطلقا حكاه ابن مفلح في فروعه .

والقول الثالث : إن حكم به لم تحرم . وإلا حرمت وهو الذي قاله القاضي أبو يعلى والموفق وابن حمدان والطوفي والآمدي وجزم به البيضاوي والهندي . وهذا الذي عليه عمل الناس ; لأن حكم الحاكم بما يعتقده الحاكم : رافع للخلاف ، ولئلا يلزم نقض الحكم بتغير الاجتهاد . وأما الثاني : وهو ما يتعلق بغيره : فكما إذا أفتى مجتهد عاميا باجتهاد ، ثم تغير اجتهاده : لم تحرم عليه على الأصح ، قاله أبو الخطاب والموفق والطوفي ، وظاهر كلام ابن مفلح ; لأن عمله بفتواه كالحكم . ومعناه : أنه إذا اجتهد وحكم في واقعة ، ثم تغير اجتهاده بعد ذلك : فالحكم بالأول باق على ما كان عليه ، فكذا إذا أفتاه أو قلده ( وإن لم يعمل ) العامي ( بفتواه ) حتى تغير اجتهاد مفتيه ( لزم المفتي إعلامه ) أي إعلام [ ص: 614 ] المفتي العامي بتغير اجتهاده فيما أفتاه به ( فلو مات ) المفتي ( قبله ) أي قبل إعلامه العامي بتغير اجتهاده فقال ابن مفلح في " فروعه " : ( استمر ) في الأصح ، قال في " شرح التحرير " : وهو المعتمد . وقيل : يمتنع ( وله ) أي وللعامي ( تقليد ) مجتهد ( ميت ) كتقليد حي ; لأن قوله باق في الإجماع وهذا قول جمهور العلماء .

وفيه يقول الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه : المذاهب لا تموت بموت أربابها . انتهى . ( كحاكم ) فإن الحكم لا يموت بموت حاكمه ( وشاهد ) فإن الشهادة لا تبطل بموت من شهد بها . وقيل : ليس للعامي تقليد الميت إن وجد مجتهدا حيا ، وإلا جاز وقيل : لا يجوز تقليده مطلقا . وهو وجه لنا وللشافعية ، فعلى الأول - وهو جواز تقليد الميت لو وجد مجتهدا حيا ولكن دون الميت - احتمل أن يقلد الميت لأرجحيته ، واحتمل أن يقلد الحي لحياته واحتمل التساوي ، وحكى الهندي قولا رابعا في المسألة : وهو التفصيل بين أن يكون الحاكي عن الميت أهلا للمناظرة ، وهو مجتهد في مذهب الميت ، فيجوز ، وإلا فلا ( وإن عمل ) المستفتي ( بفتياه ) أي بفتيا المفتي ( في إتلاف ) نفس أو مال ( فبان خطؤه ) أي خطأ المفتي في فتياه ( قطعا ) أي بمقتضى مخالفته دليلا قاطعا ( ضمنه ) أي ضمن المفتي ما أتلفه المستفتي بمقتضى فتياه ( وكذا ) يضمن ( إن لم يكن أهلا ) للفتيا على الصحيح ، خلافا لأبي إسحاق الإسفراييني وجمع ، بل أولى بالضمان ممن هو أهل للفتيا ، قال البرماوي ، وغيره : لو عمل بفتواه في إتلاف ، ثم بان أنه أخطأ . فإن لم يخالف القاطع لم يضمن ; لأنه معذور ، وإن خالف القاطع ضمن .

التالي السابق


الخدمات العلمية