الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            542 - ( وعن عقبة بن عامر قال : { أهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فروج حرير فلبسه ، ثم صلى فيه ، ثم انصرف فنزعه نزعا عنيفا شديدا كالكاره له ، ثم قال لا ينبغي هذا للمتقين . } متفق عليه ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            قوله : ( فروج ) بفتح الفاء وتشديد الراء المضمومة وآخره جيم هو القبا المفرج من خلف ، وحكى أبو زكريا التبريزي عن أبي العلاء المصري جواز ضم أوله وتخفيف الراء قال الحافظ في الفتح : والذي أهداه هو أكيدر دومة كما صرح بذلك البخاري في اللباس . والحديث استدل به من قال بتحريم الصلاة في الحرير وهو الهادي في أحد قوليه والناصر والمنصور بالله والشافعي . وقال الهادي في أحد قوليه وأبو العباس والمؤيد بالله والإمام يحيى وأكثر الفقهاء : إنها مكروهة فقط ، مستدلين بأن علة التحريم الخيلاء ولا خيلاء في الصلاة ، وهذا تخصيص للنص بحيال علة الخيلاء ، وهو مما لا ينبغي الالتفات إليه .

                                                                                                                                            وقد [ ص: 95 ] استدلوا لجواز الصلاة في ثياب الحرير بعدم إعادته صلى الله عليه وسلم لتلك الصلاة وهو مردود لأن ترك إعادتها لكونها وقعت قبل التحريم ، ويدل على ذلك حديث جابر عند مسلم بلفظ : { صلى في قبا ديباج ثم نزعه وقال : نهاني جبريل عليه السلام } وسيأتي ، وهذا ظاهر . في أن صلاته فيه كانت قبل تحريمه . قال المصنف : وهذا يعني حديث الباب محمول على أنه لبسه قبل تحريمه إذ لا يجوز أن يظن به أنه لبسه بعد التحريم في صلاة ولا غيرها .

                                                                                                                                            ويدل على إباحته في أول الأمر ما روى أنس بن مالك { أن أكيدر دومة أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم جبة سندس أو ديباج قبل أن ينهى عن الحرير فلبسها فتعجب الناس منها فقال : والذي نفسي بيده لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن منها } رواه أحمد انتهى . قال في البحر : فإن لم يوجد غيره صحت فيه وفاقا بينهم فإن صلى عاريا بطلت صلاته . وقال أحمد بن حنبل : يصلي عاريا كالنجس . وقد اختلفوا هل تجزي الصلاة في الحرير بعد تحريمه أم لا ؟ فقال الحافظ في الفتح : إنها تجزئ عند الجمهور مع التحريم ، وعن مالك يعيد في الوقت انتهى . وسيأتي البحث عن لبس الحرير وحكمه قريبا .

                                                                                                                                            543 - ( وعن جابر بن عبد الله قال : { لبس النبي صلى الله عليه وسلم قباء له من ديباج أهدي إليه ، ثم أوشك أن نزعه وأرسل به إلى عمر بن الخطاب فقيل : قد أوشكت ما نزعته يا رسول الله ، قال : نهاني عنه جبريل فجاءه عمر يبكي ، فقال : يا رسول الله كرهت أمرا وأعطيتنيه فما لي ؟ فقال : ما أعطيتك لتلبسه إنما أعطيتك تبيعه فباعه بألفي درهم } رواه أحمد ) . الحديث أخرجه مسلم في صحيحه بنحو مما هنا .

                                                                                                                                            قوله : ( من ديباج ) الديباج هو نوع من الحرير ، قيل : هو ما غلظ منه .

                                                                                                                                            قوله : ( ثم أوشك ) أي أسرع كما في القاموس وغيره . والحديث يدل على تحريم لبس الحرير ، ولبس النبي صلى الله عليه وسلم لا يكون دليلا على الحل لأنه محمول على أنه لبسه قبل التحريم بدليل قوله : " نهاني عنه جبريل " ولهذا حصر الغرض من الإعطاء في البيع وسيأتي تحقيق ما هو الحق في ذلك . قال المصنف رحمه الله: فيه يعني الحديث دليل على أن أمته عليه الصلاة والسلام أسوته في الأحكام ا هـ .

                                                                                                                                            وقد تقرر في الأصول ما هو الحق في ذلك والأدلة العامة قاضية بمثل ما ذكره المصنف من نحو قوله تعالى: { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني } .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية