الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى .

تذييل للكلام وتنويه به بأنه من الكلام النافع الثابت في كتب إبراهيم وموسى عليهما السلام ، قصد به الإبلاغ للمشركين الذين كانوا يعرفون رسالة إبراهيم ورسالة موسى ، ولذلك أكد هذا الخبر بـ إن ولام الابتداء لأنه مسوق إلى المنكرين .

[ ص: 291 ] والإشارة بكلمة هذا إلى مجموع قوله : قد أفلح من تزكى إلى قوله : وأبقى فإن ما قبل ذلك من أول السورة إلى قوله : قد أفلح من تزكى ليس مما ثبت معناه في صحف إبراهيم وموسى عليهما السلام .

روى ابن مردويه والآجري عن أبي ذر قال : قلت يا رسول الله ، هل أنزل عليك شيء مما كان في صحف إبراهيم وموسى ؟ قال : نعم قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى لم أقف على مرتبة هذا الحديث .

ومعنى الظرفية في قوله : لفي الصحف أن مماثله في المعنى مكتوب في الصحف الأولى ، فأطلقت الصحف على ما هو مكتوب فيها على وجه المجاز المرسل كما في قوله تعالى : وقالوا ربنا عجل لنا قطنا أي : ما في قطنا وهو صك الأعمال .

والصحف : جمع صحيفة على غير قياس ; لأن قياس جمعه صحائف ، ولكنه مع كونه غير مقيس هو الأفصح كما قالوا : سفن في جمع سفينة ، ووجه جمع الصحف أن إبراهيم كان له صحف وأن موسى كانت له صحف كثيرة وهي مجموع صحف أسفار التوراة .

وجاء نظم الكلام على أسلوب الإجمال والتفصيل ليكون هذا الخبر مزيد تقرير في أذهان الناس فقوله : صحف إبراهيم وموسى بدل من الصحف الأولى .

والأولى : وصف لصحف الذي هو جمع تكسير فله حكم التأنيث ، والأولى صيغة تفضيل ، واختلف في الحروف الأصلية للفظ أول ، فقيل : حروفه الأصول همزة فواو ( مكررة ) فلام ذكره في اللسان فيكون وزن أول : أأول ، فقلبت الهمزة الثانية واوا وأدغمت في الواو . وقيل : أصوله : واوان ولام وأن الهمزة التي في أوله مزيدة فوزن أول : أفعل وإدغام إحدى الواوين ظاهر .

وقيل : حروفه الأصلية واو وهمزة ولام فأصل أول أو أل بوزن أفعل قلبت الهمزة التي بعد الواو واوا وأدغما .

والأولى : مؤنث أفعل من هذه المادة ، فإما أن نقول : أصلها أولى [ ص: 292 ] سكنت الواو سكونا ميتا لوقوعها إثر ضمة ، أو أصلها : وولى بواو مضمومة في أوله وسكنت الواو الثانية أيضا ، أو أصلها : وألى بواو مضمومة ثم همزة ساكنة فوقع فيه قلب ، فقيل : أولى فوزنها على هذا عفلى .

والمراد بالأولية في وصف الصحف سبق الزمان بالنسبة إلى القرآن لا التي لم يسبقها غيرها ; لأنه قد روي أن بعض الرسل قبل إبراهيم أنزلت عليهم صحف . فهو كوصف عاد بـ الأولى في قوله : وأنه أهلك عادا الأولى وقوله تعالى : هذا نذير من النذر الأولى وفي حديث البخاري : إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت .

وأخرج عبد بن حميد وابن مردويه وابن عساكر وأبو بكر الآجري عن أبي ذر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن صحف إبراهيم كانت عشر صحائف .

التالي السابق


الخدمات العلمية