الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قال رحمه الله ( وما تلف من عمله كتخريق الثوب من دقه وزلق الجمال وانقطاع الحبل الذي يشد به الحمل وغرق السفينة من مدها مضمون ) هذا جواب المسائل كلها ، وقال الإمام الشافعي وزفر لا يضمن ; لأنه مأذون فيه فصار كالمعين للدقاق والأمر المطلق ينتظم العمل بنوعيه المعيب والسليم ولا يمكن التحرز عن الدق المعيب ولنا أن التلف حصل بفعل غير مأذون فيه ; لأن المأذون فيه هو السليم دون غيره عرفا وعادة فيضمن وفي المحيط ، ولو تخرق لتقصيره في العمل أو لعدم معرفته بالعمل يضمن عندنا ، وعند زفر وقيد بقوله بعمله فشمل عمله بنفسه وعمل أجيره ; لأنه عمله حكما قال في المحيط : ثم الأجير المشترك إنما يضمن ما تلف في يده بشرائط ثلاثة : الأول أن يكون في قدرته دفع ذلك الفساد فلو لم يكن له قدرة على ذلك كما لو غرقت السفينة من موج أو ريح أو جبل صدمها لا ضمان على الملاح . الثاني أن يكون محل العمل مسلما إليه بالتخلية فلو لم يكن محل العمل مسلما إليه بأن كان رب المتاع في السفينة أو وكيله فانكسرت السفينة بجذب الملاح لم يضمن .

                                                                                        وأما الثالث وهو أن يكون المضمون مما يجوز أن يضمن بالعقد فلو استأجر دابة لحمل عبد صغير أو كبير فلا ضمان على المكاري فيما عطب من سوقه أو قوده ، قال في المحيط لو تلف من فعل أجير القصار لا متعمدا فالضمان على القصار لا على الأجير ; لأن التلف حصل من عمل القصارة ، ولو وطئ ثوبا فتخرق ينظر إن كان يوطأ مثله لا ضمان عليه ; لأنه مأذون دلالة وإن كان لا يوطأ بأن كان رقيقا ضمن ، ولو وقع من يده سراج فأحرق ثوبا من القصارة أو حمل شيئا فوقع [ ص: 32 ] على ثوب القصارة فتخرق فالضمان على الأستاذ ، ولو استأجر رجلا ليخدمه فوقع شيء من يده من متاع البيت ففسد لا يضمن ، ولو وقع الأجير على ثوب وديعة عند الأستاذ فتخرق ضمن الأجير ; لأنه ليس بمأذون فيه وذكر في الأصل انفلتت المدقة من يد الأجير فأصابت شيئا فضمانه على القصار ولم يفصل بين ثوب القصارة وغيره ، ومشايخنا فصلوا فقالوا إن وقع على ثوب الوديعة ابتداء وخرقه ضمن الأجير وإن وقع على ثوب القصارة ابتداء يضمن الأستاذ دون الأجير ; لأنها انفلتت ابتداء على ثوب الوديعة فهذا عمل غير مأذون فيه فيضمن .

                                                                                        فأما إذا انفلتت على ثوب القصارة ابتداء فهو عمل مأذون فيه الأجير فيضمن الأستاذ وعلى هذا التفصيل إذا أصاب آدميا وقالوا لو مشى الضيف على بساط المضيف فتخرق من مشيه لم يضمن ; لأنه مأذون فيه ، وكذا لو انقلبت الأواني فانكسرت بخلاف ما إذا وطئ آنية من الأواني فأفسدها يضمنها ; لأنه ليس بمأذون فيه ، ولو جفف القصار ثوبا على حبل فمرت حمولة فحرقته فالضمان على الحمال والراعي إذا ساق الغنم فماتت أو وطئ بعضها بعضا فمات إن كان أجيرا مشتركا ضمن وإن كان أجيرا خاصا فلا ضمان عليه ا هـ . مختصرا .

                                                                                        وقوله من دقه أي دقه حقيقة أو حكما كدق أجيره وقوله كزلق الجمال قال في الجامع الصغير استأجر جمالا ليحمل له كذا إلى موضع كذا فزلق الجمال في أثناء الطريق إن حصل بجناية يده ضمن وإن حصل بما لم يمكن الاحتراز عنه لا يضمن عند الإمام ، وعندهما يضمن وفي الذخيرة هذا إذا تلف في وسط الطريق ، ولو زلقت رجله بعدما انتهى إلى المكان المشروط فله الأجر ولا ضمان عليه وهو قول محمد أخيرا وعلى قوله أولا يضمن هنا أيضا وفي الولوالجية ، ولو مطرت السماء فأفسدت الحمل أو أصابته الشمس ففسد فلا ضمان على قول الإمام ، وعند أبي يوسف يضمن وفي الأصل استأجر دابة ليحمل عليها شيئا فعثرت الدابة فوقع الحمل أو المملوك لا يضمن المملوك ويضمن الحمل قالوا إنما يضمن المتاع إذا كان الصبي لا يصلح لحفظ المتاع ; لأنه لو كان يصلح له لا يضمن المتاع ، ولو مر بالدابة على قنطرة وفيها حجر أو ثقب فوقع فيه حمله فتلف يضمن وقيد بزلق الجمال المستأجر ; لأنه لو لم يستأجره قال في المحيط استأجر قدرا ، فلما فرغ حمله على حماره فزلق رجل الحمار فوقع فانكسر القدر فإن كان الحمار يطيق حمل ذلك فلا ضمان عليه وإن كان لا يطيق فإنه يضمن ا هـ .

                                                                                        قوله وانقطاع الحبل الذي يشد به الحمل قال محمد في الأصل إذا انقطع حبل الجمال وسقط الحمل وتلف ضمن قيد بقوله يشد به الحمل ; لأنه لو كان الحبل لصاحب المتاع لا يضمن قال في العناية ، ولو حمل بحبل صاحب المتاع فتلف لم يضمن ، وقال في الهداية وقطع الحبل من قلة اهتمامه فكان من صنعه ولقائل أن يقول تقدم أن الأجير المشترك لا يضمن ما تلف في يده إن كان الهلاك بسبب يمكن الاحتراز وفرق بأن التقصير هنا في نفس العمل فيضمن وهناك في نفس الحفظ فلا يضمن ، ولو قال رب المتاع للحمال احمله فحملاه فسقط لم يضمن ; لأن التسليم إليه لم يتم ، ولو حمله ، ثم استعان في موضعه برب المتاع فوضعه فتلف ضمن عند أبي يوسف ولم يضمن عند محمد ، ولو قال احمل أيهما شئت هذا بدرهم ، وهذا بنصف درهم فحملهما فله نصف أجرهما ونصفهما إن هلكا ، ولو حمل أحدهما أولا فهو متطوع في الثاني ويضمنه إن هلك ; لأنه حمله بغير إذن ، ولو استأجره ليحمل له جلود ميتة فوقعها وأتلفها فلا أجر ولا ضمان ; لأنه ليس بمال .

                                                                                        ولو استأجره ليحمل هذه الدراهم إلى فلان فأنفقها في نصف الطريق ، ثم دفع مثلها إلى فلان فلا أجر له ; لأنه ملكها بأداء الضمان وفي الواقعات استأجره ليحمل كذا في طريق كذا فأخذ في طريق آخر تسلكه الناس فتلف لم يضمن قوله وغرق السفينة من مدها أطلق في قوله من مدها فظاهره أنه يضمن سواء كان رب المتاع معه أو لم يكن وليس كذلك قال في الأصل الملاح إذا أخذ الأجرة وغرقت السفينة في موج أو ريح أو مطر أو فزع وفي الخانية أو من شيء وقع عليها أو من شيء ليس في وسعه دفعه فلا ضمان عليه وإن حصل الغرق من أمر يمكن التحرز عنه فكذلك عند الإمام ، وعندهما يضمن وإن حصل الغرق من مده وصاحب المتاع معه لم يضمن وفي الأصل وإن كان صاحب المتاع في السفينة أو وكيله وغرقت السفينة من مده ومعالجته فلا ضمان إلا أن يخالف بأن يضع فيها شيئا أو يفعل فيها فعلا متعمدا [ ص: 33 ] الفساد ، وهذا بخلاف ما إذا أجرت الدابة فسقط المتاع فهلك وصاحب المتاع معه فإن الأجير يضمن ا هـ .

                                                                                        والمراد بالمد حبل السفينة التي تمد به وفي التتمة استأجر سفينة ليحمل عليها الأمتعة هذه فأدخل الملاح عليها أمتعة أخرى بغير رضاه وغرقت وهي كانت تطيق ذلك لم يضمن الملاح . ا هـ .

                                                                                        قال رحمه الله ( ولا يضمن به بني آدم ) ممن غرق في السفينة أو سقط من الدابة ، ولو كان بسوقه وقوده ; لأن الآدمي لا يضمن بالعقد وإنما يضمن بالجناية قيل هذا إذا كان كبيرا ممن يستمسك بنفسه ويركب وحده وإلا فهو كالمتاع . والصحيح أنه لا فرق .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية