الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " وإذا اجتهد به رجل ثم قال له رجل آخر قد أخطأ بك فصدقه ، تحرف حيث قال له وما مضى مجزئ عنه : لأنه اجتهد به من له قبول اجتهاده . ( قال المزني ) : قد احتج الشافعي في كتاب الصيام فيمن اجتهد ثم علم أنه أخطأ أن ذلك يجزئه بأن قال : وذلك أنه لو تأخى القبلة ثم علم بعد كمال الصلاة أنه أخطأ أجزأت عنه كما يجزئ ذلك في خطأ عرفة واحتج أيضا في كتاب الطهارة بهذا المعنى فقال : إذا تأخى في أحد الإناءين أنه طاهر والآخر نجس فصلى ثم أراد أن يتوضأ ثانية فكان الأغلب عنده أن الذي ترك هو الطاهر لم يتوضأ بواحد منهما ويتيمم ويعيد كل صلاة صلاها بتيمم لأن معه ماء متيقنا وليس كالقبلة يتأخاها في موضع ثم يراها في غيره : لأنه ليس من ناحية إلا وهي قبلة لقوم . ( قال المزني ) : فقد أجاز صلاته وإن أخطأ القبلة في هذين الموضعين : لأنه أدى ما كلف ولم يجعل عليه إصابة العين للعجز عنها في حال الصلاة . ( قال المزني ) : وهذا القياس على ما عجز عنه المصلي في الصلاة من قيام وقعود وركوع وسجود وستر أن فرض الله كله ساقط عنه دون ما قدر عليه من الإيماء عريانا ، فإذا قدر من بعد لم يعد ، فكذلك إذا عجز عن التوجه إلى عين القبلة كان عنه أسقط ، وقد حولت القبلة ثم صلى أهل قباء ركعة إلى غير القبلة ثم أتاهم آت فأخبرهم أن القبلة قد حولت فاستداروا وبنوا بعد يقينهم أنهم صلوا إلى غير قبلة ولو كان صواب عين القبلة المحول إليها فرضا ما أجزأهم خلاف الفرض لجهلهم به كما لا يجزئ من توضأ بغير ماء طاهر لجهله به ثم استيقن أنه غير طاهر فتفهم ، رحمك الله . ( قال المزني ) : ودخل في قياس هذا الباب أن من عجز عما عليه من نفس الصلاة أو ما أمر به فيها أو لها أن ذلك ساقط عنه لا يعيد إذا قدر وهو أولى بأحد قوليه من قوله فيمن صلى في ظلمة أو خفيت عليه الدلائل أو به دم لا يجد ما يغسله به أو كان محبوسا في نجس أنه يصلي كيف أمكنه ويعيد إذا قدر "

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح

                                                                                                                                            وصورتها : في أعمى اجتهد له بصير في القبلة ثم قال له آخر : قد أخطأ بك في الاجتهاد فلا يخلو ذلك من أحد ثلاثة أقسام : إما أن يكون قبل دخوله في الصلاة ، أو يكون بعد خروجه من الصلاة ، فأما إن كان قبل دخوله في الصلاة فلا يخلو حال الثاني من أحد أمرين : إما أن يخبر عن يقين أو اجتهاد ، فإن كان مخبرا عن يقين صار إلى قول الثاني إذا وقع في النفس صدقه ، لأن ترك الاجتهاد باليقين واجب ، وإن كان مخبرا عن اجتهاد لم يخل حال الثاني والأول من ثلاثة أحوال :

                                                                                                                                            [ ص: 87 ] أحدها : أن يكون الأول أوثق وأعلم من الثاني فيعمل على قول الأول ويترك قول الثاني

                                                                                                                                            والحال الثانية : أن يكون الثاني أوثق وأعلم من الأول فيعمل على قول الثاني ويعدل عن قول الأول

                                                                                                                                            والحالة الثالثة : أن يكونا في الثقة والعلم سواء فيكون كالبصير إذا تساوت عنده جهتان فيكون على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : يكون مخيرا في الأخذ بقول من شاء منهما

                                                                                                                                            والثاني : يأخذ بقولهما ، ويصلي إلى جهة كل واحد منهما

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية