الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الفصل الثالث

2293 - عن بريدة - رضي الله عنه - قال : دخلت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسجد عشاء ، فإذا رجل يقرأ ويرفع صوته ، فقلت يا رسول الله أتقول : هذا مراء ؟ قال : " بل مؤمن منيب " قال : وأبو موسى الأشعري يقرأ ، ويرفع صوته ، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستمع لقراءته ، ثم جلس أبو موسى يدعو ، فقال : اللهم إني أشهدك أنك أنت الله ، لا إله إلا أنت ، أحدا ، صمدا ، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " لقد سأل الله باسمه الذي إذا سئل به أعطى ، وإذا دعي به أجاب " قلت : يا رسول الله أخبره بما سمعت منك ؟ قال " نعم " فأخبرته بقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لي : أنت اليوم لي أخ صديق ، حدثتني بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رواه رزين .

التالي السابق


الفصل الثالث

2293 - ( عن بريدة قال : دخلت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسجد عشاء ) : أي : وقت عشاء ، أو لصلاة عشاء ( فإذا ) : للمفاجأة ( رجل يقرأ ويرفع صوته ، فقلت : يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتقول ) : قال ابن حجر : [ ص: 1591 ] أي أترى ؟ وهو أولى من قول الشارح . أي : أتعتقد أو أتحكم ، لرواية شرح السنة أتراه مرائيا ؟ اهـ وفيه أن ترى أيضا يحتاج إلى تفسير الشارح كما ترى ، فهو في باب الإيضاح أولى كما لا يخفى . ( هذا ) : أي هذا الرجل ( مراء ؟ ) : أي : منافق يقرأ للسمعة والرياء بقرينة رفع صوته المحتمل أن يكون كذلك ، ( قال : " بل مؤمن منيب ) : أي راجع من الغفلة إلى الذكر ، لأن الإنابة توبة الخواص ، فهي أخص من توبة العوام التي هي الرجوع من المعصية إلى الطاعة . ( قال ) : أي بريدة ( وأبو موسى الأشعري يقرأ ، ويرفع صوته ) : أي أيضا . وقال الطيبي ، قيل : قال رسول الله : والحال أن أبا موسى إلخ . وقال ابن حجر : أي قال بريدة ، قلت ذلك لرسول الله ، وأبو موسى أي : والحال أنه الذي يقرأ ، ولا يخفى أن كلا القولين بعيد من المرام ، والظاهر ما ذكرناه من التقدير في تقرير الكلام وتحرير النظام ، فإن الرجل الأول منكر غير معروف ، فيحتمل أن تكون قراءته منكرا من القول وزورا ، ولهذا استفهم حاله وبينه - صلى الله عليه وسلم - وأما أبو موسى الأشعري فمن أجلاء الصحابة ، فظن الرياء والنفاق به مستبعد جدا إلا إن ثبتت الرواية أنه هو ، ثم رأيت ما يؤيد هذا التأويل في رواية شرح السنة بعد هذا ، فعلم من ذلك أن الرجل في صدر الحديث هو أبو موسى . اهـ . فمحمل قول بريدة عدم معرفته به قبل ذلك .

( فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتسمع لقراءته ، ثم جلس أبو موسى ) : لعله في التشهد أو بعد الصلاة ( يدعو ) قال ابن حجر : علم منه أن قراءته مع رفع صوته كانت وهو قائم ( فقال ) أي : أبو موسى في دعائه : ( اللهم إني أشهدك ) : أي : أعتقد فيك ( أنك أنت الله ، لا إله إلا أنت ، أحدا صمدا ) ، منصوبان على الاختصاص ، كقوله تعالى : شهد الله أنه لا إله إلا هو إلى قوله : قائما بالقسط وفي شرح السنة معرفان مرفوعان على أنهما صفتان لله ( لم يلد ) : أي : ليس له ولد ، فإن القديم لم يكن محل الحادث ( ولم يولد ) : أي : ليس له والد ووالدة ، فإنه قديم منزه عن الحدوث والتوالد ، ( ولم يكن له كفوا ) : أي : شبيها ونظيرا ( أحد ) . أي : من الخلائق وهو معنى قوله تعالى : ليس كمثله شيء ( فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقد سأل ) : أي : أبو موسى ( الله باسمه الذي إذا سئل به أعطى ، وإذا دعي به أجاب ) : وهو تعريف الاسم الأعظم ( قلت : يا رسول الله أخبره ) : بحذف الاستفهام ( بما سمعت منك ؟ ) : أي : من مدح دعائه ، وعلى قول الشارحين أي : من مدحه بقوله مؤمن منيب . ( قال : نعم " فأخبرته بقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لي ) : أي أبو موسى فرحا بما ذكرته له : ( أنت اليوم لي ) : أي : في هذا الزمان ( أخ صديق ) ، أي : الجامع بين الأخوة والصداقة ( حدثتني ) : حال أو استئناف بيان ( بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وهذا من رواية الأقران ( رواه رزين ) .




الخدمات العلمية