الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          2413 حدثنا محمد بن بشار حدثنا جعفر بن عون حدثنا أبو العميس عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سلمان وبين أبي الدرداء فزار سلمان أبا الدرداء فرأى أم الدرداء متبذلة فقال ما شأنك متبذلة قالت إن أخاك أبا الدرداء ليس له حاجة في الدنيا قال فلما جاء أبو الدرداء قرب إليه طعاما فقال كل فإني صائم قال ما أنا بآكل حتى تأكل قال فأكل فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء ليقوم فقال له سلمان نم فنام ثم ذهب يقوم فقال له نم فنام فلما كان عند الصبح قال له سلمان قم الآن فقاما فصليا فقال إن لنفسك عليك حقا ولربك عليك حقا ولضيفك عليك حقا وإن لأهلك عليك حقا فأعط كل ذي حق حقه فأتيا النبي صلى الله عليه وسلم فذكرا ذلك فقال له صدق سلمان قال أبو عيسى هذا حديث صحيح وأبو العميس اسمه عتبة بن عبد الله وهو أخو عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي [ ص: 80 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 80 ] قوله : ( أخبرنا جعفر بن عون ) بن جعفر بن عمرو بن حريث المخزومي صدوق من التاسعة ( أخبرنا أبو العميس ) بمهملتين مصغرا اسمه عتبة بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي المسعودي الكوفي ثقة من السابعة ( عن أبيه ) هو أبو جحيفة واسمه وهب بن عبد الله السوائي ويقال اسم أبيه وهب أيضا مشهور بكنيته ، ويقال له وهب الخير صحابي معروف وصحب عليا .

                                                                                                          قوله : ( آخى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين سلمان وأبي الدرداء ) أي جعل بينهما أخوة . قال الحافظ في الفتح : ذكر أصحاب المغازي أن المؤاخاة بين الصحابة وقعت مرتين ، الأولى قبل الهجرة بين المهاجرين خاصة على المواساة والمناصرة ، فكان من ذلك أخوة زيد بن حارثة وحمزة بن عبد المطلب ، ثم آخى النبي -صلى الله عليه وسلم- بين المهاجرين والأنصار بعد أن هاجر ، وذلك بعد قدومه المدينة . وسيأتي في كتاب البيع حديث عبد الرحمن بن عوف : لما قدمنا المدينة آخى النبي -صلى الله عليه وسلم- بيني وبين سعد بن الربيع وذكر الواقدي أن ذلك كان بعد قدومه -صلى الله عليه وسلم- بخمسة أشهر والمسجد يبنى ، انتهى ( فزار سلمان أبا الدرداء ) يعني في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- فوجد أبا الدرداء غائبا ( متبذلة ) بفتح الفوقية والموحدة وتشديد الذال المعجمة المكسورة أي لابسة ثياب البذلة بكسر الموحدة وسكون الذال ، وهي المهنة وزنا ومعنى . والمراد أنها تاركة للبس ثياب الزينة . وعند أبي نعيم في الحلية : فرأى امرأته رثة الهيئة قال الحافظ : وأم الدرداء . هذه هي خيرة بفتح المعجمة وسكون التحتانية بنت أبي حدرد الأسلمية صحابية بنت صحابي وحديثها عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في مسند أحمد وغيره وماتت أم الدرداء هذه قبل أبي الدرداء ، ولأبي الدرداء أيضا امرأة أخرى يقال لها أم الدرداء تابعية ، اسمها هجيمة عاشت بعده دهرا وروت عنه ، انتهى . ( ما شأنك متبذلة ) بالنصب على الحالية ( ليس له حاجة في الدنيا ) وفي رواية الدارقطني من وجه آخر عن جعفر بن عون في نساء الدنيا ، وزاد فيه ابن خزيمة عن يوسف بن موسى عن جعفر بن عون يصوم النهار [ ص: 81 ] ويقوم الليل ( فقال ) أي أبو الدرداء ( كل فإني صائم قال ) أي سلمان ما أنا بآكل حتى تأكل ، وفي رواية البزار عن محمد بن بشار شيخ البخاري فيه فقال وأقسمت عليك لتفطرن وغرض سلمان من هذا الإباء أن يصرفه عن رأيه فيما يصنعه من جهد نفسه في العبادة وغير ذلك مما شكته إليه امرأته ( فأكل ) أي أبو الدرداء ( فلما كان الليل ) أي في أوله وفي رواية ابن خزيمة ثم بات عنده ( ذهب ) أي أراد وشرع ( فقال له سلمان نم ) زاد ابن سعد من وجه آخر مرسل فقال له أبو الدرداء أتمنعني أن أصوم لربي وأصلي لربي ( فقاما فصليا ) في رواية الطبراني فقاما فتوضآ ثم ركعا ثم خرجا إلى الصلاة ( وإن لأهلك عليك حقا ) أي لزوجك عليك حقا زاد الدارقطني فصم وأفطر وصل ونم وائت أهلك ( فأتيا النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكرا ذلك له ) وفي رواية الدارقطني ثم خرجا إلى الصلاة فدنا أبو الدرداء ليخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالذي قال له سلمان ، فقال له : يا أبا الدرداء إن لجسدك عليك حقا مثل ما قال سلمان ، ففي هذه الرواية أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أشار إليهما بأنه علم بطريق الوحي ما دار بينهما ، وليس ذلك في رواية محمد بن بشار فيحتمل الجمع بين الأمرين أنه كاشفهما بذلك أولا ثم أطلعه أبو الدرداء على صورة الحال ، فقال له : صدق سلمان ، وفي هذا الحديث من الفوائد مشروعية المؤاخاة في الله وزيارة الإخوان والمبيت عندهم ، وجواز مخاطبة الأجنبية للحاجة والسؤال عما يترتب عليه المصلحة ، وإن كان في الظاهر لا يتعلق بالسائل وفيه النصح للمسلم وتنبيه من أغفل ، وفيه فضل قيام آخر الليل ، وفيه مشروعية تزيين المرأة لزوجها وثبوت حق المرأة على الزوج ، وحسن العشرة ، وقد يؤخذ منه ثبوت حقها في الوطء ؛ لقوله : ولأهلك عليك حقا ، ثم قال : وائت أهلك كما في رواية الدارقطني وقرره النبي -صلى الله عليه وسلم- على ذلك ، وفيه جواز النهي عن المستحبات إذا خشي أن ذلك يفضي إلى السآمة والملل وتفويت الحقوق المطلوبة الواجبة أو المندوبة الراجح فعلها على فعل المستحب المذكور ، وأن الوعيد الوارد على من نهى مصليا عن الصلاة مخصوص بمن نهاه ظلما وعدوانا ، وفيه كراهية الحمل على النفس في العبادة كذا في الفتح . قوله : ( هذا حديث صحيح ) وأخرجه البخاري .




                                                                                                          الخدمات العلمية