الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
2315 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لقيت إبراهيم ليلة أسري بي . فقال : يا محمد ، أقرئ أمتك مني السلام ، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة ، عذبة الماء ، وأنها قيعان ، وأن غراسها سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر " . رواه الترمذي ، وقال : هذا حديث حسن ، غريب إسنادا .

التالي السابق


2315 - ( وعن ابن مسعود قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لقيت إبراهيم ) أي : الخليل - عليه الصلاة والسلام - كما في نسخة ( ليلة أسري بي ) : بالإضافة ، وفي نسخة بتنوين ( ليلة ) أي : ليلة أسري فيها بي ، وهي ليلة المعراج ( فقال ) أي : إبراهيم ، وهو في محله من السماء السابعة مسندا ظهره إلى البيت المعمور ( يا محمد ، أقرئ أمتك ) أي : أوصلهم وبلغهم ( مني السلام ) : وفي نسخة : " اقرأ أمتك مني " أي : من جانبي ، ومن عندي السلام . في النهاية : يقال : اقرأ فلانا السلام ، واقرأ عليه السلام كأنه حين يبلغه سلامه يحمله على أن يقرأ السلام ويرده . وفي المقدمة نحوه ، لكن في الصحاح والقاموس : أن قرأه السلام وأقرأه السلام بمعنى ، وعلى كل فينبغي لكل من ذلك أن يقول : وعليه السلام ورحمة الله وبركاته . ( وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة ) وهي التراب ، فإن ترابها المسك والزعفران ، ولا أطيب منهما ( عذبة الماء ) أي : للنمو ، وحلو لذيذ كما قال تعالى : أنهار من ماء غير آسن أي : غير متغير بملوحة ولا غيرها ( وأنها ) : بالفتح ويكسر أي : الجنة ( قيعان ) : بكسر القاف جمع قاع ، وهي الأرض المستوية الخالية من الشجر ( وأن ) : بالوجهين ( غراسها ) : بكسر الغين المعجمة ، جمع غرس بالفتح ، وهو ما يغرس أي : يستر تراب الأرض من نحو البذر لينبت بعد ذلك ، وإذا كانت تلك التربة طيبة وماؤها عذبا كان الغراس أطيب ، لا سيما والغرس الكلمات الطيبات وهن الباقيات الصالحات . ( سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ) : والمعنى أعلمهم بأن هذه الكلمات ونحوها سبب لدخول قائلها الجنة ولكثرة أشجار منزله فيها ، لأنه كلما كررها نبتت له أشجار بعددها . قال ابن الملك : يعني أن هذه الكلمات تورث قائلها الجنة ، فأطلق السبب وأراد المسبب . اهـ . وفيه بحث . وقال الطيبي : أقول : في هذا الحديث إشكال لأنه يدل على أن أرض الجنة خالية عن الأشجار والقصور ، ويدل قوله تعالى : جنات تجري من تحتها الأنهار على أنها غير خالية عنها ، لأنها إنما سميت جنة لأشجارها المتكاثفة المظلة بالتفاف أغصانها . والجواب : أنها كانت قيعانا ، ثم إن الله تعالى أوجد بفضله فيها أشجارا وقصورا ، بحسب أعمال العاملين لكل عامل ما يختص به بسبب عمله ، ثم إنه تعالى لما يسره لما خلق له من العمل لينال بذلك الثواب جعله كالغارس لتلك الأشجار مجازا إطلاقا للسبب على المسبب . وأجيب أيضا : بأنه لا دلالة في الحديث على الخلو الكلي من الأشجار والقصور ، لأن معنى كونها قيعانا أن أكثرها مغروس ، وما عداه منها أمكنة واسعة بلا غرس لينغرس بتلك الكلمات ، ويتميز غرسها الأصلي الذي بلا سبب ، وغرسها المسبب عن تلك الكلمات .

[ ص: 1605 ] قال ابن حجر : والحاصل أن أكثرها مغروس ليكون مقابلا للأعمال الصالحة غير تلك الكلمات ، وبقيتها تغرس بتلك الكلمات ليمتاز ثواب هذه الكلمات لعظم فضلها ، كما علم من الأحاديث السابقة عن ثواب غيرها . اهـ . وفي كون هذا حاصل الجوابين أو أحدهما نظر ظاهر فتأمل ، ويخطر بالبال والله أعلم أن أقل أهل الجنة من له جنتان ، كما قال : ولمن خاف مقام ربه جنتان فيقال : جنة فيها أشجار وأنهار وحور وقصور خلقت بطريق الفضل ، وجنة يوجد فيها ما ذكر بسبب حدوث الأعمال والأذكار من باب العدل ، وهذا معنى قول بعض الصوفية في تفسير الآية : جنة في الدنيا ، وجنة في العقبى . ( رواه الترمذي ، وقال : هذا حديث حسن ، غريب إسنادا ) : وروى ابن ماجه والحاكم والطبراني ، عن أبي هريرة مرفوعا " يغرس لك بكل واحدة شجرة في الجنة " .




الخدمات العلمية