الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
2316 - وعن يسيرة - رضي الله عنها - وكانت من المهاجرات ، قالت : قال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " عليكن بالتسبيح والتهليل ، والتقديس ، واعقدن بالأنامل ، فإنهن مسئولات مستنطقات ، ولا تغفلن فتنسين الرحمة " . رواه الترمذي ، وأبو داود .

التالي السابق


2316 - ( وعن يسيرة ) : - بضم التحتية وفتح السين - ويقال أسيرة بالهمز ، أم ياسر صحابية من الأنصاريات ، ويقال من المهاجرات ، كذا في التقريب ، وقال المؤلف : كانت من المهاجرات وهو الظاهر المطابق لقوله : ( وكانت من المهاجرات ) : وأما قول ابن الملك : إنها بنت ياسر فهو سهو قلم . ( قالت : قال لنا ) أي : معشر النساء ( رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( عليكن ) : اسم فعل بمعنى الزمن وأمسكن ( بالتسبيح ، والتهليل ، والتقديس ) أي : قول سبحان الملك القدوس ، أو سبوح قدوس رب الملائكة والروح ، ويمكن أن يراد بالتقديس التكبير ، ويدل عليه ذكره في المعدودات على وفق نظائره من الروايات . قال ابن حجر : هذا عادة العرب أن الكلمة إذا تكررت على ألسنتهم اختصروها ليسهل تكررها بضم بعض حروف إحداها إلى الأخرى ، كالحوقلة والحيعلة والبسملة وكالتهليل ، فإنه مأخوذ من لا إله إلا الله ، يقال : هيلل الرجل وهلل إذا قال ذلك . اهـ . وهو غير مستقيم من وجوه . الأول : أن البسملة ونحوها من الكلمات المصنوعة لا العربية الموضوعة . والثاني : أن هذا مسلم في الحوقلة والحيعلة والبسملة ، وأما التسبيح والتهليل فمصدران قياسيان ، وكذا التقديس ، ومعناها جعل الله مسبحا ومقدسا أي : منزها بالذكر والاعتقاد عن صفات الحدوث والحلول والاتحاد ، ومهللا أي : مرفوع الصوت بذكر توحيده وإثبات تفريده ، نعم هيلل من قبيل بسمل ، وكذا سبحل ، وكذا قدسل ، لو سمع أو بني لوجود دلالة بعض من كل منهما على كلمة في مقابلتها ، بخلاف ما ذكر من التسبيح والتهليل والتقديس ، وأيضا فهذه مصادر باب التفعيل على طبق الموضوع . والمصدر المصنوع مختص بباب الفعللة ملحق به في التصريف ، كما هو مقرر ومحقق ، ولا يضرنا تفسيرهم التسبيح بسبحان الله والتهليل بلا إله إلا الله ، والتقديس بسبحان الملك القدوس ، فإنه تفسير معنوي مجزأ من معنى كلي هو المفهوم المصدري ( واعقدن ) : بكسر القاف أي : اعددن عدد مرات التسبيح وما عطف عليه ( بالأنامل ) أي : بعقدها أو برءوسها يقال : عقد الشيء بالأنامل عده ، وقول ابن حجر : أي عدهن ، أو التقدير : اعددن . لا وجه للفرق بينهما .

قال الطيبي : حرضهن - صلى الله عليه وسلم - على أن يحصين تلك الكلمات بأناملهن ليحط عنها بذلك ما اجترحته من الذنوب ، ويدل على أنهن كن يعرفن عقد الحساب . قال ابن حجر : الباء زائدة في الإثبات على مذهب جماعة . وهو وهم ، وانتقال منه من الباء إلى " من " وإلا فزيادة الباء في المفعول كثيرة غير مقيدة بالإثبات والنفي اتفاقا على ما في المغني كقوله تعالى : وهزي إليك بجذع النخلة ، فليمدد بسبب إلى السماء ، ومن يرد فيه بإلحاد ، فطفق مسحا بالسوق ، ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وقوله : فكفى بنا فضلا على من عيرنا حب النبي محمد إيانا ، والأنامل جمع أنملة بتثليث الميم والهمز تسع لغات فيها الظفر ، كذا في القاموس ، والظاهر أن يراد بها الأصابع من باب إطلاق البعض وإرادة الكل عكس ما ورد في قوله تعالى : يجعلون أصابعهم في آذانهم لمبالغة ، وفيه [ ص: 1606 ] جواز عد الأذكار ومأخذ سبحة الأبرار ، وقد كان لأبي هريرة خيط فيه عقد كثيرة يسبح بها ، وزعم أنها بدعة غير صحيح لوجود أصلها في السنة ولقوله - صلى الله عليه وسلم - " أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم " وإنما قيد العقد بالأنامل دلالة على الأفضل ويدل عليه تعليله بقوله : ( فإنهن ) أي : الأنامل كسائر الأعضاء ( مسئولات ) أي : يسألن يوم القيامة عما اكتسبن وبأي شيء استعملن ، ( مستنطقات ) : بفتح الطاء أي : متكلمات بخلق النطق فيها فيشهدن لصاحبهن أو عليه بما اكتسبه . قال تعالى : يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون ، وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم وفيه حث على استعمال الأعضاء فيما يرضي الرب تعالى وتعريض التحفظ عن الفواحش والآثام . ( ولا تغفلن ) : بضم الفاء ، والفتح لحن ‌‌أي : عن الذكر يعني لا تتركن الذكر ، ( فتنسين ) : بفتح التاء أي : فتتركن ( الرحمة ) : بسبب الغفلة ، والمراد بنسيان الرحمة نسيان أسبابها أي : لا تتركن الذكر ، فإنكن لو تركتن الذكر لحرمتن ثوابه ، فكأنكن تركتن الرحمة . قال تعالى : فاذكروني أي : بالطاعة أذكركم أي : بالرحمة . وفي نسخة صحيحة بصيغة مجهولة من الإنساء ، أي : إنكن استحفظتن ذكر الرحمة وأمرتن بسؤالها ، فإذا غفلتن فقد ضيعتن ما استودعتن فتركتن سدى عن رحمة الله تعالى .

قال الطيبي : ( لا تغفلن ) نهي لأمرين أي : لا تغفلن عما ذكرت ، لكن من اللزوم على الذكر والمحافظة عليه والعقد بالأصابع توثيقا ، وقوله : فتنسين جواب " لو " أي : إنكن لو تغفلن عما ذكرت لكن لتركتن سدى عن رحمة الله ، وهذا من باب قوله تعالى : ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي أو لا يكن منكن الغفلة فيكون من الله ترك الرحمة ، فعبر بالنسيان عن ترك الرحمة كما في قوله تعالى : وكذلك اليوم تنسى . ( رواه الترمذي ، وأبو داود ) .




الخدمات العلمية