الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          ثم قال تعالى : يريد الله أن يخفف عنكم إذ لم يضيق عليكم في أمر النساء ، حتى إنه أباح لكم عند الضرورة نكاح الإماء ، بل لم يجعل عليكم في الدين من حرج قط ، فشريعتكم هي الحنيفية السمحة كما ورد وخلق الإنسان ضعيفا لا يقدر على مقاومة الميل إلى النساء ولا يحمل ثقل التضييق عليه في الاستمتاع بهن ، فمن رحمته تعالى أنه لم يحرم عليه منهن إلا ما في إباحته مفسدة عظيمة ، ومع هذا ترى الزنا يفشو حيث يضعف الدين حتى لا يكاد الناس يثقون بنسلهم ، وحتى تكثر الأمراض ويقل النسل ، ويستشري الفساد في الأرض ، وقد كان الرجال ولا يزالون هم المعتدين في هذا الأمر لقوة شهوتهم ، وشدة جرأتهم ، فهم [ ص: 32 ] يفسدون النساء ويستميلونهن بالمال ، ثم يتهمونهن بأنهن المتصديات للإفساد ، ويحجر واحدهم على امرأته ويحجبها ، ويحتال على إخراج امرأة غيره من خدرها ! وهو يجهل أن الحلية التي أفسد بها امرأة غيره هي التي يفسد بها غيره امرأته ، وأنه قلما يفسق رجل إلا ويكون أستاذا لأهل بيته في الفسق ، ومن حكم الحديث الشريف : " عفوا تعف نساؤكم ، وبروا آباءكم تبركم أبناؤكم " رواه الطبراني من حديث جابر والديلمي من حديث علي بمعناه ، على أن في الرجال الفاسقين ، والمتفرنجين المارقين من مردوا على الفسق وصاروا يرونه من العادات الحسنة ، فخزيت عفتهم وزالت غيرتهم ، فهم يعدون الدياثة ضربا من ضروب الكياسة ، فيسلسون القياد لنسائهم ، كما يسلسن القياد لهم ، وذلك منتهى ما تطيقه الرذيلة من الجهد في إفساد البيوت بتنكيث قوى الرابطة الزوجية ، وجعلها وسيلة لما هي في الفطرة والشريعة أشد الموانع دونه ; لأنها هي الحصن للمرتبطين بها من فوضى الأبضاع ، والحفاظ لما فيه هناء المعيشة من الاختصاص .

                          أخرج البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ أنه قال : ثماني آيات نزلت في سورة النساء هي خير لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس وغربت ، وعد هذه الآيات الثلاث : يريد الله ليبين لكم إلى قوله : ضعيفا والرابعة : إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم ( 4 : 31 ) ، والآية الخامسة : إن الله لا يظلم مثقال ذرة ( 4 : 40 ) ، والآية السادسة : إن الله لا يغفر أن يشرك به ( 4 : 48 ) ، إلخ ، والسابعة : ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ( 4 : 110 ) ، إلخ ، والثامنة : والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم ( 4 : 152 ) ، إلخ ، وسيأتي تفسيرها في مواضعها إن شاء الله تعالى .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية