الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      أفمن هذا الحديث أي القرآن تعجبون إنكارا وتضحكون استهزاء مع كونه أبعد شيء من ذلك ولا تبكون حزنا على ما فرطتم في شأنه وخوفا من أن يحيق بكم ما حاق بالأمم المذكورة وأنتم سامدون أي لاهون كما روي عن ابن عباس جوابا لنافع بن الأزرق ، وأنشد عليه قول هزيلة بنت بكر وهي تبكي قوم عاد :


                                                                                                                                                                                                                                      ليت عادا قبلوا الحق ولم يبدوا جحودا     قيل قم فانظر إليهم
                                                                                                                                                                                                                                      ثم دع عنك السمودا



                                                                                                                                                                                                                                      وفي رواية أنه رضي الله تعالى عنه سئل عن السمود ، فقال : البرطمة وهي رفع الرأس تكبرا أي وأنتم رافعون رؤوسكم تكبرا ، وروي تفسيره بالبرطمة عن مجاهد أيضا ، وقال الراغب : السامد اللاهي الرافع رأسه - من سمد البعير في سيره - إذا رفع رأسه ، وقال أبو عبيدة : السمود الغناء بلغة حمير يقولون : يا جارية اسمدي لنا أي غني لنا ، وروي نحوه عن عكرمة ، وأخرج عبد الرازق . والبزار وابن جرير والبيهقي في سننه . وجماعة عن ابن عباس أنه قال : هو الغناء باليمانية وكانوا إذا سمعوا القرآن غنوا تشاغلا عنه ، وقيل : يفعلون ذلك ليشغلوا الناس عن استماعه ، والجملة الاسمية على جميع ذلك حال من فاعل - لا تبكون - ومضمونها قيد للنفي والإنكار متوجه إلى نفي البكاء ووجود السمود ، وقال المبرد : السمود الجمود والخشوع كما في قوله :


                                                                                                                                                                                                                                      رمى الحدثان نسوة آل سعد     بمقدار سمدن له سمودا
                                                                                                                                                                                                                                      فرد شعورهن السود بيضا     ورد وجوههن البيض سودا



                                                                                                                                                                                                                                      والجملة عليه حال من فاعل - تبكون - أيضا إلا أن مضمونها قيد للمنفي ، والإنكار وارد على نفي البكاء والسمود معا فلا تغفل ، وفي حرف أبي وعبد الله - تضحكون - بغير واو ، وقرأ الحسن - تعجبون تضحكون - بغير واو وضم التاءين وكسر الجيم والحاء ، واستدل بالآية كما في أحكام القرآن على استحباب البكاء عند سماع القرآن وقراءته ، أخرج البيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة قال : لما نزلت أفمن هذا الحديث الآية بكى أصحاب الصفة حتى جرت دموعهم على خدودهم فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينهم بكى معهم فبكينا ببكائه فقال عليه الصلاة والسلام : لا يلج النار من بكى من خشية الله تعالى ولا يدخل الجنة مصر على معصيته ولو لم تذنبوا لجاء الله تعالى بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم » وأخرج أحمد في الزهد وابن أبي شيبة وهناد وغيرهم عن صالح أبي الخليل قال : «لما نزلت هذه الآية أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون ما ضحك النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك إلا أن يتبسم » ولفظ عبد بن حميد «فما رئي النبي عليه الصلاة والسلام ضاحكا ولا مبتسما حتى ذهب من الدنيا » وفيه سد باب الضحك عند قراء القرآن ولو لم يكن استهزاء والعياذ بالله عز وجل .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية