الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ويكره أن يغلق باب المسجد ) لأنه يشبه المنع من الصلاة ، وقيل لا بأس به إذا خيف على متاع المسجد في غير أوان الصلاة ( ولا بأس أن ينقش المسجد بالجص والساج وماء الذهب ) وقوله لا بأس يشير إلى أنه لا يؤجر عليه لكنه لا يأثم به ، وقيل هو قربة [ ص: 422 ] وهذا إذا فعل من مال نفسه ، أما المتولي فيفعل من مال الوقف ما يرجع إلى إحكام البناء دون ما يرجع إلى النقش حتى لو فعل يضمن ، والله أعلم بالصواب .

التالي السابق


( قوله لأنه يشبه المنع من الصلاة ) وهو حرام ، قال تعالى { ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه } ( قوله وقيل لا بأس إذا خيف على متاع المسجد ) أحسن من التقييد بزماننا كما في عبارة بعضهم فالمدار خشية الضرر على المسجد ، فإن ثبت في زماننا في جميع الأوقات ثبت كذلك إلا في أوقات الصلاة أو لا فلا ، أو في بعضها ففي بعضها ( قوله وقيل هو قربة ) لما فيه من تعظيم المسجد .

ومنهم من كرهه لقوله صلى الله عليه وسلم { إن من أشراط الساعة أن تزين المساجد } الحديث ، والأقوال ثلاثة وعندنا لا بأس به . ومحمل الكراهة التكلف بدقائق النقوش ونحوه خصوصا في المحراب أو التزيين مع ترك الصلوات أو عدم إعطائه حقه من اللغط فيه والجلوس لحديث الدنيا ورفع الأصوات بدليل آخر الحديث وهو قوله { وقلوبهم خاوية من الإيمان } هذا إذا فعل من مال نفسه أما المتولي فيفعل ما يرجع إلى إحكام البناء حتى لو جعل البياض فوق السواد للنقاء ضمن كذا في الغاية ، وعلى هذا تحلية المصحف بالذهب لا بأس به .

وكان المتقدمون يكرهون شد المصاحف واتخاذ المشدة لها لأنه يشبه المنع كالغلق .



وهذه فروع تتعلق بأحكام المسجد لا شك أن الدفع للفقراء أولى من تزيينه ، ولو قيل بأنه قربة ، ولا يحفر في المسجد بئر ولو كانت بئرا قديمة كبئر زمزم تركت ، ولو حفر فتلف فيه شيء إن حفر أهل المسجد أو غيرهم بإذنهم لا يضمن ، وإن كان بغير إذنهم ضمن أضر ذلك بأهله أو لا .



ولا يجوز غرس الأشجار فيه إلا إن كان ذا نز والأسطوانات لا تستقر به فيجوز لتشرب ذلك الماء فيحصل بها النفع [ ص: 422 ] ولا بأس بأن يتخذ فيه بيتا لمتاعه ، ولا يجوز أن يتخذه طريقا بغير عذر ، فإن كان بعذر لا بأس ، ولا يبزق فيه فيأخذ النخامة بثوبه ، .



ولو بزق كان فوق الحصير أسهل منه تحتها لأن ما تحتها مسجد حقيقة والحصر لها حكم المسجد وليس به حقيقة ، فإن لم يكن فيه بوار يدفنها في التراب ولا يدعها على وجه الأرض ، وكذا يكره أن يمسح رجله من الطين بأسطوانته أو حائطه ، ولا بأس بأن يمسح ببردته أو قطعة خشب أو حصير ملقاة فيه ، والأولى أن لا يفعل ، وبتراب المسجد إن كان مجموعا لا بأس به ، وإن كان مبسوطا يكره ، .



وإذا نزح الماء النجس من البئر كره أن يبل به الطين فيطين به المسجد على قول من اعتبر نجاسة الطين وقد ذكرناه في باب الأنجاس ويكره التوضي في المسجد والمضمضة إلا أن يكون موضع اتخذ لذلك لا يصلى فيه



، ولا يجوز أن تعمل فيه الصنائع لأنه مخلص لله فلا يكون محلا لغير العبادة غير أنهم قالوا في الخياط إذا جلس فيه لمصلحته من دفع الصبيان وصيانة المسجد لا بأس به للضرورة . ولا يدق الثوب عند طيه دقا عنيفا .

والذي يكتب إذا كان بأجر يكره وبغير أجر لا يكره ، هذا إذا كتب العلم والقرآن لأنه في عبادة ، أما هؤلاء المكتبون الذين تجتمع عندهم الصبيان واللغط فلا لو لم يكن لغط لأنهم في صناعة لا عبادة ، إذ هم يقصدون الإجادة ليس هو لله بل للارتزاق ، ومعلم الصبيان القرآن كالكاتب إن كان لأجر لا وحسبة لا بأس به . ومنهم من فضل هذا إن كان لضرورة الحر وغيره لا يكره وإلا فيكره ، وسكت عن كونه بأجر أو غيره ، وينبغي حمله على ما إذا كان حسبة ، فأما إن كان بأجر فلا شك في الكراهة ، وعلى هذا فإذا كان حسبة ولا ضرورة يكره لأن نفس التعليم ومراجعة الأطفال لا تخلو عما يكره في المسجد ، والجلوس في المسجد بغير صلاة جائز لا للمصيبة ، .



والكلام المباح فيه مكروه يأكل الحسنات والنوم فيه مكروه ، وقيل لا بأس للغريب أن ينام فيه . وفي النهاية عن الحلواني أنه ذكر في الصوم عن أصحابنا يكره أن يتخذ في المسجد مكانا معينا يصلي فيه ، لأن العبادة تصير له طبعا فيه وتثقل في غيره ، والعبادة إذا صارت طبعا فسبيلها الترك ولذا كره صوم الأبد انتهى . فكيف بمن اتخذه لغرض آخر فاسد ، والله أعلم .




الخدمات العلمية