الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      وروى الواقدي بإسناده قال : لما جاء نعي معاوية إلى المدينة كان بها الحسين وابن الحنفية وابن الزبير ، وكان ابن عباس بمكة ، فخرج الحسين [ ص: 118 ] وابن الزبير إلى مكة ، وأقام ابن الحنفية ، فلما سمع بدنو جيش مسرف زمن الحرة رحل إلى مكة ، وأقام مع ابن عباس ، فلما مات يزيد بويع ابن الزبير ، فدعاهما إلى بيعته ، فقالا : لا حتى تجتمع لك البلاد . فكان مرة يكاشرهما ومرة يلين لهما ، ثم غلظ عليهما ، ووقع بينهم حتى خافاه ، ومعهما النساء والذرية ، فأساء جوارهم وحصرهم ، وقصد محمدا ، فأظهر شتمه وعيبه ، وأمرهم وبني هاشم أن يلزموا شعبهم ، وجعل عليهم الرقباء ، وقال فيما يقول : والله لتبايعن أو لأحرقنكم , فخافوا .

                                                                                      قال سليم أبو عامر : فرأيت ابن الحنفية محبوسا في زمزم ، والناس يمنعون من الدخول عليه ، فقلت : والله لأدخلن عليه ، فقلت : ما بالك وهذا الرجل؟ قال : دعاني إلى البيعة فقلت : إنما أنا من المسلمين ، فإذا اجتمعوا عليك فأنا كأحدهم ، فلم يرض بهذا مني ، فاذهب إلى ابن عباس فسلم عليه وقل : ما ترى؟

                                                                                      قال : فدخلت على ابن عباس وهو ذاهب البصر فقال : من أنت؟ قلت : أنصاري . قال : رب أنصاري هو أشد علينا من عدونا . قلت : لا تخف ، أنا ممن لك كله ، قال : هات ، فأخبرته ، فقال : قل له : لا تطعه ولا نعمة عين إلا ما قلت ، ولا تزده عليه . فأبلغته .

                                                                                      فهم ابن الحنفية أن يسير إلى الكوفة ، وبلغ ذلك المختار ، فثقل عليه قدومه فقال : إن في المهدي علامة يقدم بلدكم هذا ، فيضربه رجل في السوق بالسيف لا يضره ولا يحيك فيه .

                                                                                      فبلغ ذلك ابن الحنفية فأقام . فقيل له : لو بعثت إلى شيعتك بالكوفة فأعلمتهم ما أنت فيه . فبعث أبا الطفيل إلى شيعتهم ، فقال لهم : إنا لا نأمن ابن الزبير على هؤلاء ، وأخبرهم بما هم فيه من الخوف ، فقطع المختار بعثا إلى مكة ، فانتدب معه أربعة آلاف ، فعقد لأبي عبد الله الجدلي عليهم ، [ ص: 119 ] وقال له : سر ; فإن وجدت بني هاشم في حياة ، فكن لهم عضدا وانفذ لما أمروك به ، وإن وجدت ابن الزبير قد قتلهم ، فاعترض أهل مكة حتى تصل إلى ابن الزبير ، ثم لا تدع لآل الزبير شعرا ولا ظفرا . وقال : يا شرطة الله ، لقد أكرمكم الله بهذا المسير ، ولكم بهذا الوجه عشر حجج وعشر عمر .

                                                                                      وساروا حتى أشرفوا على مكة ، فجاء المستغيث : عجلوا فما أراكم تدركونهم . فانتدب منهم ثمانمائة رأسهم عطية بن سعد العوفي حتى دخلوا مكة ، فكبروا تكبيرة سمعها ابن الزبير ، فهرب إلى دار الندوة ، ويقال : تعلق بأستار الكعبة وقال : أنا عائذ الله . قال عطية : ثم ملنا إلى ابن عباس وابن الحنفية وأصحابهما في دور قد جمع لهم الحطب فأحيط بهم حتى ساوى الجدر ، لو أن نارا تقع فيه ما رئي منهم أحد . فأخرناه عن الأبواب وعجل علي بن عبد الله بن عباس وهو يومئذ رجل ، فأسرع في الحطب ليخرج فأدماه .

                                                                                      وأقبل أصحاب ابن الزبير ، فكنا صفين ، نحن وهم في المسجد نهارنا لا ننصرف إلى صلاة حتى أصبحنا ، وقدم الجدلي في الجيش ، فقلنا لابن عباس وابن الحنفية : ذرونا نرح الناس من ابن الزبير ، فقالا : هذا بلد حرمه الله ، ما أحله لأحد إلا لنبيه ساعة ، فامنعونا وأجيرونا . قال : فتحملوا وإن مناديا لينادي في الجبل : ما غنمت سرية بعد نبيها ، ما غنمت هذه السرية . إن السرية تغنم الذهب والفضة ، وإنما غنمتم دماءنا . فخرجوا بهم ، فأنزلوهم منى ، فأقاموا مدة ، ثم خرجوا إلى الطائف ، وبها توفي ابن عباس ، وصلى عليه محمد ، فبقينا معه . فلما كان الحج ، وافى محمد بأصحابه فوقف ، ووقف نجدة بن عامر الحنفي في الخوارج ناحية ، وحجت بنو أمية على لواء ، فوقفوا بعرفة .

                                                                                      [ ص: 120 ] وعن محمد بن جبير أن الذي أقام الحج ابن الزبير ، وحج ابن الحنفية في الخشبية أربعة آلاف نزلوا في الشعب الأيسر من منى ، فخفت الفتنة ، فجئت ابن الحنفية ، فقلت : يا أبا القاسم اتق الله ; فإنا في مشعر حرام ، في بلد حرام ، والناس وفد الله ، فلا تفسد عليهم حجهم ، فقال : والله ما أريد ذلك ، ولكني أدفع عن نفسي ، وما أطلب هذا الأمر إلا أن لا يختلف علي فيه اثنان ، فائت ابن الزبير وكلمه ، وعليك بنجدة ، فكلمه . فجئت ابن الزبير فقال : أنا أرجع ! قد اجتمع علي وبايعني الناس ، وهؤلاء أهل خلاف . قلت : إن خيرا لك الكف . قال : أفعل . ثم جئت نجدة الحروري ، فأجده في أصحابه وعكرمة عنده . فقلت : استأذن لي عليه . قال : فدخل فلم ينشب أن أذن لي ، فدخلت ، فعظمت عليه وكلمته ، فقال : أما أن أبتدئ أحدا بقتال ، فلا .

                                                                                      قلت : إني رأيت الرجلين لا يريدان قتالك . ثم جئت شيعة بني أمية ، فكلمتهم ، فقالوا : لا نقاتل ، فلم أر في تلك الألوية أسكن من أصحاب ابن الحنفية . ووقفت تلك العشية إلى جنبه ، فلما غابت الشمس ، التفت إلي ، فقال : يا أبا سعيد ادفع ، فدفعت معه ، فكان أول من دفع .

                                                                                      قال خليفة : في سنة خمس وستين دعا ابن الزبير ابن الحنفية إلى بيعته ، فأبى ، فحصره في شعب بني هاشم وتوعدهم ، حتى بعث المختار أبا عبد الله الجدلي إلى ابن الحنفية في أربعة آلاف سنة ست ، فأقاموا معه حتى قتل المختار في رمضان سنة سبع وستين .

                                                                                      [ ص: 121 ] الواقدي حدثني جعفر بن محمد الزبيري ، عن عثمان بن عروة ، عن أبيه . وحدثنا إسحاق بن يحيى بن طلحة وغيره ، قالوا : كان المختار أشد شيء على ابن الزبير ، وجعل يلقي إلى الناس أن ابن الزبير كان يطلب هذا الأمر لابن الحنفية ثم ظلمه ، وجعل يعظم ابن الحنفية ويدعو إليه فيبايعونه سرا ، فشك قوم وقالوا : أعطينا هذا عهودنا أن زعم أنه رسول ابن الحنفية وهو بمكة ليس منا ببعيد .

                                                                                      فشخص إليه قوم فأعلموه أمر المختار ، فقال : نحن قوم -حيث ترون- محبوسون وما أحب أن لي سلطان الدنيا بقتل مؤمن ، ولوددت أن الله انتصر لنا بمن يشاء ، فاحذروا الكذابين ، قال : وكتب المختار كتابا على لسان ابن الحنفية إلى إبراهيم بن الأشتر وجاءه يستأذن -وقيل : المختار أمين آل محمد ورسولهم - فأذن له ورحب به ، فتكلم المختار -وكان مفوها- ثم قال : إنكم أهل بيت قد أكرمكم الله بنصرة آل محمد وقد ركب منهم ما قد علمت ، وقد كتب إليك المهدي كتابا وهؤلاء الشهود عليه فقالوا : نشهد أن هذا كتابه ورأيناه حين دفعه إليه . فقرأه إبراهيم ، ثم قال : أنا أول من يجيب ، قد أمرنا بطاعتك ومؤازرتك ، فقل ما بدا لك . ثم كان يركب إليه في كل يوم ، فزرع ذلك في الصدور .

                                                                                      وبلغ ذلك ابن الزبير ، فتنكر لابن الحنفية ، وجعل أمر المختار يغلظ ، وتتبع قتلة الحسين فقتلهم ، وجهز ابن الأشتر في عشرين ألفا إلى عبيد الله بن زياد ، فظفر به ابن الأشتر ، وبعث برأسه إلى المختار ، فبعث به إلى ابن الحنفية وعلي بن الحسين ، فدعت بنو هاشم للمختار ، وكان ابن الحنفية لا يحب كثيرا مما يأتي به ، وكتب المختار [ ص: 122 ] إليه : لمحمد المهدي من المختار الطالب بثأر آل محمد .

                                                                                      أبو غسان النهدي : حدثنا عمر بن زياد ، عن الأسود بن قيس ، قال : لقيت رجلا من عنزة فقال : انتهيت إلى ابن الحنفية ، فقلت : السلام عليك يا مهدي ، قال : وعليك السلام . قلت : إن لي حاجة . فلما قام ، دخلت معه ، فقلت : ما زال بنا الشين في حبكم حتى ضربت عليه الأعناق ، وشردنا في البلاد وأوذينا ، ولقد كانت تبلغنا عنك أحاديث من وراء وراء ، فأحببت أن أشافهك . فقال : إياكم وهذه الأحاديث ، وعليكم بكتاب الله ; فإنه به هدي أولكم ، وبه يهدى آخركم ، ولئن أوذيتم ، لقد أوذي من كان خيرا منكم ، ولأمر آل محمد أبين من طلوع الشمس .

                                                                                      ابن عيينة : حدثنا أبو الجحاف -شيعي - عن رجل من أهل البصرة قال : أتيت ابن الحنفية حين خرج المختار فقلت : إن هذا خرج عندنا يدعو إليكم ، فإن كان عن أمركم اتبعناه . قال : سآمرك بما أمرت به ابني هذا ، إنا أهل بيت لا نبتز هذه الأمة أمرها ، ولا نأتيها من غير وجهها ، وإن عليا كان يرى أنه له ، ولكن لم يقاتل حتى جرت له بيعة .

                                                                                      ابن عيينة : عن ليث ، عن منذر الثوري ، عن محمد بن علي : سمعت أبا هريرة يقول : لا حرج إلا في دم امرئ مسلم . فقلت : يطعن على أبيك . قال : لا ، بايعه أولو الأمر ، فنكث ناكث فقاتله ، وإن ابن الزبير يحسدني على مكاني ، ود أني ألحد في الحرم كما ألحد .

                                                                                      [ ص: 123 ] الثوري : عن الحارث الأزدي ، قال : قال ابن الحنفية : رحم الله امرأ أغنى نفسه ، وكف يده ، وأمسك لسانه ، وجلس في بيته ، له ما احتسب ، وهو مع من أحب ، ألا إن أعمال بني أمية أسرع فيهم من سيوف المسلمين ، ألا إن لأهل الحق دولة يأتي بها الله إذا شاء ، فمن أدرك ذلك كان عندنا في السهم الأعلى ، ومن يمت فما عند الله خير وأبقى .

                                                                                      أبو عوانة : حدثنا أبو جمرة قال : كانوا يقولون لابن الحنفية : سلام عليك يا مهدي ، فقال : أجل أنا مهدي ، أهدي إلى الرشد والخير ، اسمي محمد ، فقولوا : سلام عليك يا محمد أو يا أبا القاسم .

                                                                                      روى الربيع بن منذر الثوري ، عن أبيه ، قال : قال محمد بن الحنفية : لوددت أني فديت شيعتنا هؤلاء ببعض دمي . ثم قال : بحديثهم الكذب ، وإذاعتهم السر حتى لو كانت أم أحدهم ، لأغرى بها حتى تقتل .

                                                                                      قال ابن سعد قتل المختار في سنة ثمان وستين ، وفي سنة تسع بعث ابن الزبير أخاه عروة إلى محمد بن الحنفية يقول : إني غير تاركك أبدا حتى تبايعني أو أعيدك في الحبس ، وقد قتل الله الكذاب الذي كنت تدعي نصرته ، وأجمع أهل العراق علي ، فبايع .

                                                                                      فقال : يا عروة ، ما أسرع أخاك إلى قطع الرحم والاستخفاف بالحق ، وما أغفله عن تعجيل عقوبة الله ، ما يشك أخوك في الخلود ، ووالله ما بعث المختار داعيا ولا ناصرا . ولهو [ ص: 124 ] كان أشد إليه انقطاعا منه إلينا ، فإن كان كذابا فطالما قربه على كذبه ، وإن كان غير ذلك فهو أعلم به ، وما عندي خلاف ما أقمت في جواره ، ولو كان ، لخرجت إلى من يدعوني ، ولكن هاهنا لأخيك قرن -وكلاهما يقاتلان على الدنيا- عبد الملك ، فلكأنك بجيوشه قد أحاطت برقبة أخيك ، وإني لأحسب أن جواره خير من جواركم ، ولقد كتب إلي يعرض علي ما قبله ويدعوني إليه . قال عروة : فما يمنعك؟ قال : أستخير الله ، وذلك أحب إلي من صاحبك . فقال بعض أصحاب ابن الحنفية : والله لو أطعتنا ، لضربنا عنقه ، فقال : وعلى ماذا؟ رجل جاء برسالة من أخيه ، وأنتم تعلمون أن رأيي لو اجتمع الناس علي سوى إنسان لما قاتلته ، فانصرف عروة ، وأخبر أخاه ، وقال : ما أرى لك أن تعرض له ، دعه ، فليخرج عنك ; فعبد الملك أمامه لا يتركه يحل بالشام حتى يبايعه ، وهو فلا يبايعه أبدا حتى يجمع عليه الناس .

                                                                                      أبو عوانة : عن أبي جمرة ، قال : سرنا مع ابن الحنفية من الطائف إلى أيلة بعد موت ابن عباس ، وكان عبد الملك قد كتب له على أن يدخل في أرضه هو وأصحابه حتى يتفق الناس على رجل واحد ، فإذا اصطلحوا على رجل بعهد الله وميثاقه -في كلام طويل- فلما قدم محمد الشام ، كتب إليه عبد الملك : إما أن تبايعني ، وإما أن تخرج من أرضي -ونحن يومئذ سبعة آلاف- فبعث إليه : على أن تؤمن أصحابي ، ففعل ، فقام فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : الله ولي الأمور كلها وحاكمها ، ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن ، والذي نفس محمد بيده ليعودن فيهم الأمر كما بدأ ، الحمد لله الذي حقن دماءكم ، وأحرز دينكم ، من أحب منكم أن يأتي مأمنه إلى بلده [ ص: 125 ] آمنا محفوظا فليفعل ، كل ما هو آت قريب ، عجلتم بالأمر قبل نزوله ، والذي نفسي بيده إن في أصلابكم لمن يقاتل مع آل محمد ، ما يخفى على أهل الشرك أمر آل محمد ، أمر آل محمد مستأخر . قال : فبقي في تسع مائة ، فأحرم بعمرة وقلد هديا . فلما أردنا أن ندخل الحرم ، تلقتنا خيل ابن الزبير ، فمنعتنا أن ندخل ، فأرسل إليه محمد : لقد خرجت وما أريد قتالا ، ورجعت كذلك ، دعنا ندخل ، فلنقض نسكنا ثم لنخرج عنك . فأبى ، قال : ومعنا البدن مقلدة فرجعنا إلى المدينة ، فكنا بها حتى قدم الحجاج ، وقتل ابن الزبير ، ثم سار إلى العراق ، فلما سار مضينا فقضينا نسكنا ، وقد رأيت القمل يتناثر من ابن الحنفية ، قال : ثم رجعنا إلى المدينة فمكث ثلاثة أشهر ثم توفي . إسنادها ثابت .

                                                                                      الواقدي : حدثنا موسى بن عبيدة ، عن زيد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب ، قال : وفدت مع أبان على عبد الملك وعنده ابن الحنفية ، فدعا عبد الملك بسيف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ودعا بصيقل فنظر فقال : ما رأيت حديدة قط أجود منها ، قال عبد الملك : ولا والله ما رأى الناس مثل صاحبها ، يا محمد ، هب لي هذا السيف . قال محمد : أينا أحق به فليأخذه . قال عبد الملك : إن كان لك قرابة فلكل قرابة . فأعطاه محمد إياه ثم قال : يا أمير المؤمنين إن هذا -وأشار إلى الحجاج - قد استخف بي وآذاني ، ولو كانت خمسة دراهم أرسل إلي فيها . قال : لا إمرة له عليك . فلما ولى محمد ، قال عبد الملك للحجاج : أدركه فسل سخيمته . فأدركه فقال : إن أمير المؤمنين قد أرسلني إليك لأسل سخيمتك ، ولا مرحبا بشيء ساءك ، قال : ويحك يا حجاج اتق الله واحذره ، ما من صباح إلا ولله في كل عبد من [ ص: 126 ] عباده ثلاث مائة وستون لحظة ، إن أخذ ، أخذ بمقدرة ، وإن عفا ، عفا بحلم ، فاحذر الله . فقال : لا تسألني شيئا إلا أعطيتكه ، قال : وتفعل؟ قال : نعم .

                                                                                      قال : صرم الدهر .

                                                                                      الثوري : عن مغيرة ، عن أبيه أن الحجاج أراد أن يضع رجله على المقام ، فزجره ابن الحنفية ونهاه .

                                                                                      إسرائيل : حدثنا ثوير قال : رأيت ابن الحنفية يخضب بالحناء والكتم .

                                                                                      وعن أبي مالك أنه رأى ابن الحنفية يرمي الجمار على برذون أشهب .

                                                                                      وروى الثوري ، عن الشيباني : رأيت على ابن الحنفية مطرف خز أصفر بعرفة .

                                                                                      وعن رشدين بن كريب : رأيت ابن الحنفية يعتم بعمامة سوداء ويرخيها شبرا أو دونه .

                                                                                      وقال عبد الواحد بن أيمن : رأيت على ابن الحنفية عمامة سوداء .

                                                                                      وقيل لابن الحنفية : لم تخضب؟ قال : أتشبب به للنساء .

                                                                                      أبو نعيم : حدثنا عبد الواحد بن أيمن ، قال : أرسلني أبي إلى محمد بن الحنفية فإذا هو مكحل ، مصبوغ اللحية بحمرة ، فرجعت فقلت لأبي : بعثتني [ ص: 127 ] إلى شيخ مخنث؟! قال : يا ابن اللخناء ذاك محمد بن علي .

                                                                                      قال ابن سعد : أنبأنا محمد بن الصلت ، حدثنا ربيع بن منذر ، عن أبيه قال : كنا مع ابن الحنفية ، فأراد أن يتوضأ ، فنزع خفيه ، ومسح على قدميه .

                                                                                      قلت : هذا قد يتعلق به الإمامية وبظاهر الآية ، لكن غسل الرجلين شرع لازم بينه لنا الرسول -اللهم صل عليه- وقال : ويل للأعقاب من النار وعليه عمل الأمة ولا اعتبار بمن شذ .

                                                                                      قال رافضي : فأنتم ترون مسح موضع ثلاث شعرات بل شعرة من الرأس يجزئ ، والنص لا يحتمل هذا ، ولا يسمى من اقتصر عليه ماسحا لرأسه عرفا ، ولا رأينا النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا أحدا من أصحابه اجتزأ بذلك ولا جوزه . فالجواب : أن الباء للتبعيض في قوله برءوسكم وليس هذا الموضع يحتمل تقرير هذه المسألة .

                                                                                      قال الواقدي : حدثنا عبد الله بن جعفر ، عن صالح بن كيسان ، عن الحسن بن محمد بن الحنفية قال : لم يبايع أبي الحجاج ، لما قتل ابن الزبير بعث الحجاج إليه أن قد قتل عدو الله ، فقال : إذا بايع الناس بايعت .

                                                                                      قال : والله لأقتلنك . قال : إن لله في كل يوم ثلاث مائة وستين نظرة . في كل لحظة ثلاث مائة وستون قضية فلعله أن يكفيناك في قضية من قضاياه .

                                                                                      وكتب الحجاج فيه إلى عبد الملك بذلك ، فأعجب عبد الملك [ ص: 128 ] قوله ، وكتب بمثلها إلى طاغية الروم وذلك أن صاحب الروم كتب إلى عبد الملك يتهدده بأنه قد جمع له جموعا كثيرة . وكتب إلى الحجاج : قد عرفنا أن محمدا ليس عنده خلاف ، فارفق به فسيبايعك . فلما اجتمع الناس على عبد الملك ، وبايع له ابن عمر ، قال ابن عمر لمحمد : ما بقي شيء فبايع ، فكتب بالبيعة إلى عبد الملك وهي : أما بعد ، فإني لما رأيت الأمة قد اختلفت ، اعتزلتهم . فلما أفضي الأمر إليك ، وبايعك الناس ، كنت كرجل منهم ، فقد بايعتك وبايعت الحجاج لك ، ونحن نحب أن تؤمننا ، وتعطينا ميثاقا على الوفاء; فإن الغدر لا خير فيه .

                                                                                      فكتب إليه عبد الملك : إنك عندنا محمود ، أنت أحب إلينا وأقرب بنا رحما من ابن الزبير ; فلك ذمة الله ورسوله أن لا تهاج ولا أحد من أصحابك بشيء .

                                                                                      قال أبو نعيم الملائي : مات ابن الحنفية سنة ثمانين .

                                                                                      وقال الواقدي : أنبأنا زيد بن السائب ، قال : سألت عبد الله بن الحنفية : أين دفن أبوك؟ قال : بالبقيع ، سنة إحدى وثمانين في المحرم وله خمس وستون سنة . فجاء أبان بن عثمان والي المدينة ليصلي عليه ، فقال أخي : ما ترى؟ فقال أبان : أنتم أولى بجنازتكم . فقلنا : تقدم فصل ، فتقدم .

                                                                                      الواقدي : حدثنا علي بن عمر بن علي بن الحسين ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، سمعت ابن الحنفية سنة إحدى وثمانين يقول : لي خمس وستون سنة ، جاوزت سن أبي ، فمات تلك السنة .

                                                                                      [ ص: 129 ] وفيها أرخه أبو عبيد ، وأبو حفص الفلاس . وانفرد المدائني ، فقال : مات سنة ثلاث وثمانين .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية