الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الرتبة الثانية وهي مزاحمة لدرجة الوسواس أن يتورع الإنسان عن أكل الجنين الذي يصادف في بطن الحيوان المذبوح وعن الضب .

وقد صح في الصحاح من الأخبار حديث الجنين إن ذكاته ذكاة أمه .

صحة لا يتطرق احتمال إلى متنه ولا ضعف إلى سنده .

التالي السابق


(الرتبة الثانية وهي مزاحمة لدرجة) وفي نسخة: وهو متاخم درجة، (الوسواس) ، وذلك (أن يتورع الإنسان عن أكل الجنين الذي يصادفه في بطن الحيوان المذبوح وعن) أكل (الضب) هو الحيوان المعروف، (وقد صح في الصحاح من الأخبار) الواردة (حديث الجنين بأن ذكاته ذكاة أمه صحة لا يتطرق احتمال إلى متنه ولا ضعف إلى سنده) ، قال العراقي : أخذه المصنف من كلام شيخه إمام الحرمين ، فإنه كذا قال في الأساليب، والحديث رواه أبو داود والترمذي وحسنه، وابن ماجه وابن حبان من حديث أبي سعيد ، والحاكم من حديث أبي هريرة ، وقال: صحيح الإسناد، وليس كذلك، والطبراني في الصغير من حديث ابن عمر بسند جيد، وقال عبد الحق : لا يحتج بأسانيدها كلها اهـ .

قلت: والحديث المذكور: "ذكاة الجنين ذكاة أمه" مرفوعان على الابتداء والخبرية، وروي: "ذكاة أمه" بالنصب على الظرفية كـ " جئت طلوع الشمس "، أي: وقت طلوعها، يعني: ذكاته حاصلة وقت ذكاة أمه، قال الخطابي وغيره: رواية الرفع هي المحفوظة، وأيا ما كان فالمراد الجنين الميت بأن خرج ميتا أو به حركة مذبوح على ما ذهب إليه الشافعي ، ويؤيده ما جاء في بعض طرق الحديث من قول السائل: "يا رسول الله إنا ننحر الإبل ونذبح البقر والشاء فنجد في بطنها الجنين، فنلقيه أو نأكله؟ فقال: كلوا إن شئتم، فإن ذكاته ذكاة أمه ، فسؤاله إنما هو عن الميت; لأنه محل الشك بخلاف الحي الممكن الذبح، فيكون الجواب عن الميت ليطابق السؤال، وأما تخريجه لحديث أبي سعيد ، فرواه أيضا أحمد وأبو يعلى وابن الجارود ، والدارقطني والبيهقي والضياء ، وقد رواه أيضا جابر بن عبد الله الدارمي وأبو داود والبغوي في الجعديات والشايس، وأبو نعيم في الحلية، والحاكم والبيهقي والضياء ، ورواه الطبراني والحاكم أيضا من حديث أبي أيوب ، والطبراني وحده من حديث أبي أمامة وأبي الدرداء معا، ومن حديث كعب بن مالك ، وفي سند الكل مقال ما عدا حديث ابن عمر عند الطبراني ، فحديث أبي سعيد روي من طريق مجاهد عن أبي الوداك عنه، وكلاهما ضعيف، وحديث جابر من طريق عبيد الله بن أبي زياد القداح عن أبي الزبير عنه، والقداح ضعيف، ولذلك ذهب ابن حزم إلى ما ذهب إليه أبو حنيفة إلا أن الحافظ ابن حجر قال: إن الحجة تقوم بمجموع طرقه، وفي الباب أيضا علي وابن مسعود والبراء وابن عباس وغيرهم، ونظر إلى ذلك ابن حبان ، وأقدم على تصحيحه كالحاكم وتبعه القشيري وغيره، ووجهه أصحابنا بأن المعنى على التشبيه، أي: مثل ذكاتها أو كذكاتها، فيكون المراد الحي لحرمة الميت عندنا، وقالوا: ولو خرج حيا يعيش مثله يجب تذكيته باتفاق العلماء، فقد تركوا عمومه، ولأنه إذا كان حيا ثم مات بموت أمه، فإنما يموت خنقا، فهو من المنخنقة التي ورد النص بتحريمها، وذهب أبو يوسف ومحمد إلى ما ذهب إليه الشافعي ، وقال ابن المنذر : ولم أر عن أحد من الصحابة وسائر العلماء أن الجنين لا يؤكل إلا باستئناف ذكاة إلا عن أبي حنيفة ، فإن خرج الجنين ولم ينبت شعره، ولم يتم خلقه، فقال أبو حنيفة ومالك : لا يجوز أكله، وقال الشافعي وأحمد : يجوز أكله، قلت: وقد روى ابن أبي شيبة في المصنف من حديث أبي سعيد : ذكاة الجنين ذكاة أمه إذا أشعر، فظاهره فيه التأييد لما ذهب إليه أبو حنيفة ومالك ، ورواه الدارقطني من حديث ابن عمر : "ذكاة الجنين ذكاة أمه أشعر أو لم يشعر" ، وفيه التأييد لما ذهب إليه الشافعي وأحمد ، ومن الغريب ما رواه الحاكم في الأطعمة من حديث ابن عمر : "ذكاة الجنين إذا أشعر ذكاة أمه" ، ولكنه يذبح حتى ينصاب ما فيه من الدم، وهذه التفرقة لم يأخذ بها الشافعية والحنفية معا، فإن الشافعية يقولون: إن ذكاة أمه مغنية عن ذكاته مطلقا، والحنفية لا مطلقا .




الخدمات العلمية