الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر )

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر ) إشارة إلى أن الأمر غير مقتصر على انهزامهم وإدبارهم بل الأمر أعظم منه ، فإن الساعة موعدهم فإنه ذكر ما يصيبهم في الدنيا من الدبر ، ثم بين ما هو منه على طريقة الإصرار ، هذا قول أكثر المفسرين ، والظاهر أن الإنذار بالساعة عام لكل من تقدم ، كأنه قال : أهلكنا الذين كفروا من قبلك وأصروا ، وقوم محمد عليه السلام ليسوا بخير منهم فيصيبهم ما أصابهم إن أصروا ، ثم إن عذاب الدنيا ليس لإتمام المجازاة فإتمام المجازاة بالأليم الدائم . وفيه مسائل :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : ما الحكمة في كون اختصاص الساعة موعدهم مع أنها موعد كل أحد ؟ نقول : الموعد الزمان الذي فيه الوعد والوعيد ، والمؤمن موعود بالخير ومأمور بالصبر فلا يقول هو : متى يكون ، بل يفوض الأمر إلى الله ، وأما الكافر فغير مصدق فيقول : متى يكون العذاب ؟ فيقال له : اصبر فإنه آت يوم القيامة ، ولهذا كانوا يقولون : ( عجل لنا قطنا ) [ ص : 16 ] وقال : ( ويستعجلونك بالعذاب ) [ الحج : 47 ] .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : أدهى من أي شيء ؟ نقول : يحتمل وجهين :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدهما : ما مضى من أنواع عذاب الدنيا .

                                                                                                                                                                                                                                            ثانيهما : أدهى الدواهي فلا داهية مثلها .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثالثة : ما المراد من قوله : ( وأمر ) ؟ قلنا : فيه وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدهما : هو مبالغة من المر وهو مناسب لقوله تعالى : ( فذوقوا عذابي ) وقوله : ( ذوقوا مس سقر ) وعلى هذا فأدهى أي : أشد وأمر أي آلم ، والفرق بين الشديد والأليم أن الشديد يكون إشارة إلى أنه لا يطيقه أحد لقوته ولا يدفعه أحد بقوته ، مثاله ضعيف ألقي في ماء يغلبه أو نار لا يقدر على الخلاص منها ، وقوي ألقي في بحر أو نار عظيمة يستويان في الألم والعذاب ، ويتساويان في الإيلام ، لكن يفترقان في الشدة فإن نجاة الضعيف من الماء الضعيف بإعانة معين ممكن ، ونجاة القوي من البحر العظيم غير ممكن .

                                                                                                                                                                                                                                            ثانيهما : أمر مبالغة في المار إذ هي أكثر مرورا بهم إشارة إلى الدوام ، فكأنه يقول : أشد وأدوم ، وهذا مختص بعذاب الآخرة ، فإن عذاب الدنيا إن اشتد قتل المعذب وزال فلا يدوم ، وإن دام بحيث لا يقتل فلا يكون شديدا .

                                                                                                                                                                                                                                            ثالثها : أنه المرير وهو من المرة التي هي الشدة ، وعلى هذا فإما أن يكون الكلام كما يقول القائل : فلان نحيف نحيل وقوي شديد ، فيأتي بلفظين مترادفين إشارة إلى التأكيد وهو ضعيف ، وإما أن يكون " أدهى " مبالغة من الداهية التي هي اسم الفاعل من دهاه أمر كذا إذا أصابه ، وهو أمر صعب لأن الداهية صارت كالاسم الموضوع للشديد على وزن الباطية والسائبة التي لا تكون من أسماء الفاعلين ، وإن كانت الداهية أصلها ذلك ، غير أنها استعملت استعمال الأسماء وكتبت في أبوابها وعلى هذا يكون معناه ألزم وأضيق ، أي هي بحيث لا تدفع .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية