الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الرابعة : ما المعنى من الانشقاق ؟ نقول : حقيقته ذوبانها وخرابها ، كما قال تعالى : ( يوم نطوي السماء ) [ الأنبياء : 104 ] إشارة إلى خرابها ويحتمل أن يقال : انشقت بالغمام كما قال تعالى : ( ويوم تشقق السماء بالغمام ) وفيه وجوه منها أن قوله : ( بالغمام ) أي مع الغمام فيكون مثل ما ذكرنا ههنا من الانفطار والخراب .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الخامسة : ما معنى قوله تعالى : ( فكانت وردة كالدهان ) ؟ نقول : المشهور أنها في الحال تكون حمراء ، يقال : فرس ورد إذا أثبت للفرس الحمرة ، وحجرة وردة أي حمراء اللون . وقد ذكرنا أن لهيب النار يرتفع في السماء فتذوب فتكون كالصفر الذائب حمراء ، ويحتمل وجها آخر وهو أن يقال : وردة للمرة من الورود كالركعة والسجدة والجلسة والقعدة من الركوع والسجود والجلوس والقعود ، وحينئذ الضمير في كانت كما في قوله : ( إن كانت إلا صيحة واحدة ) [ يس : 53 ] أي الكائنة أو الداهية وأنث الضمير لتأنيث الظاهر وإن كان شيئا مذكرا ، فكذا ههنا قال : ( فكانت وردة ) واحدة أي الحركة التي بها الانشقاق كانت وردة واحدة ، وتزلزل الكل وخرب دفعة ، والحركة معلومة بالانشقاق لأن المنشق يتحرك ، ويتزلزل ، وقوله تعالى : ( كالدهان ) فيه وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدهما : جمع دهن .

                                                                                                                                                                                                                                            وثانيهما : أن الدهان هو الأديم الأحمر ، فإن قيل : الأديم الأحمر مناسب للوردة فيكون معناه كانت السماء كالأديم الأحمر ، ولكن ما المناسبة بين الوردة وبين الدهان ؟ نقول : الجواب عنه من وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : المراد من الدهان ما هو المراد من قوله تعالى : ( يوم تكون السماء كالمهل ) [ المعارج : 8 ] وهو عكر الزيت وبينهما مناسبة ، فإن الورد يطلق على الأسد فيقال : أسد ورد ، فليس الورد هو الأحمر القاني .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : أن التشبيه بالدهن ليس في اللون بل في الذوبان .

                                                                                                                                                                                                                                            والثالث : هو أن الدهن المذاب ينصب انصبابة واحدة ويذوب دفعة ، والحديد والرصاص لا يذوب غاية الذوبان ، فتكون حركة الدهن بعد الذوبان أسرع من حركة غيره ، فكأنه قال حركتها : تكون وردة واحدة كالدهان المصبوبة صبا لا كالرصاص الذي يذوب منه ألطفه وينتفع به ويبقى الباقي ، وكذلك الحديد والنحاس ، وجمع الدهان لعظمة السماء وكثرة ما يحصل من ذوبانها لاختلاف أجزائها ، فإن الكواكب تخالف غيرها .

                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 104 ]

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية