الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 191 ] مسألة ; قال : ( وإذا خلا بها بعد العقد ، فقال : لم أطأها وصدقته ، لم يلتفت إلى قولهما ، وكان حكمهما حكم الدخول ، في جميع أمورهما ، إلا في الرجوع إلى زوج طلقها ثلاثا ، أو في الزنى ، فإنهما يجلدان ، ولا يرجمان ) وجملة ذلك أن الرجل إذا خلا بامرأته بعد العقد الصحيح استقر عليه مهرها ووجبت عليها العدة ، وإن لم يطأ . روي ذلك عن الخلفاء الراشدين وزيد ، وابن عمر . وبه قال علي بن الحسين وعروة ، وعطاء ، والزهري ، والأوزاعي ، وإسحاق ، وأصحاب الرأي . وهو قديم قولي الشافعي وقال شريح ، والشعبي ، وطاوس ، وابن سيرين ، والشافعي في الجديد : لا يستقر إلا بالوطء . وحكي ذلك عن ابن مسعود ، وابن عباس . وروي نحو ذلك عن أحمد وروى عنه يعقوب بن بختان ، أنه قال : إذا صدقته المرأة ، أنه لم يطأها ، لم يكمل لها الصداق ، وعليها العدة . وذلك لقول الله تعالى : { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم } وهذه قد طلقها قبل أن يمسها . وقال تعالى : { وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض } والإفضاء : الجماع . ولأنها مطلقة لم تمس ، أشبهت من لم يخل بها .

                                                                                                                                            ولنا : إجماع الصحابة رضي الله عنهم ، روى الإمام أحمد ، والأثرم ، بإسنادهما ، عن زرارة بن أوفى ، قال : قضى الخلفاء الراشدون المهديون ، أن من أغلق بابا ، أو أرخى سترا ، فقد وجب المهر ، ووجبت العدة . ورواه الأثرم أيضا ، عن الأحنف ، عن عمر وعلي وعن سعيد بن المسيب . وعن زيد بن ثابت : عليها العدة ، ولها الصداق كاملا . وهذه قضايا تشتهر ، ولم يخالفهم أحد في عصرهم ، فكان إجماعا .

                                                                                                                                            وما رووه عن ابن عباس ، لا يصح ، قال أحمد : يرويه ليث ، وليس بالقوي ، وقد رواه حنظلة خلاف ما رواه ليث ، وحنظلة أقوى من ليث . وحديث ابن مسعود منقطع . قاله ابن المنذر . ولأن التسليم المستحق وجد من جهتها ، فيستقر به البدل ، كما لو وطئها ، أو كما لو أجرت دارها ، أو باعتها وسلمتها . وأما قوله تعالى : { من قبل أن تمسوهن } فيحتمل أنه كنى بالمسبب عن السبب ، الذي هو الخلوة ، بدليل ما ذكرناه .

                                                                                                                                            وأما قوله : { وقد أفضى بعضكم إلى بعض } فقد حكي عن الفراء ، أنه قال : الإفضاء الخلوة ، دخل بها أو لم يدخل . وهذا صحيح ; فإن الإفضاء مأخوذ من الفضاء ، وهو الخالي ، فكأنه قال : وقد خلا بعضكم إلى بعض . وقول الخرقي : حكمها حكم الدخول في جميع أمورهما . يعني في حكم ما لو وطئها ، من تكميل المهر ، ووجوب العدة ، وتحريم أختها وأربع سواها إذا طلقها حتى تنقضي عدتها ، وثبوت الرجعة له عليها في عدتها . وقال الثوري ، وأبو حنيفة : لا رجعة له عليها ، إذا أقر أنه لم يصبها .

                                                                                                                                            ولنا : قوله تعالى : { وبعولتهن أحق بردهن في ذلك } ولأنها معتدة من نكاح صحيح ، لم ينفسخ نكاحها ، [ ص: 192 ] ولا كمل عدد طلاقها ، ولا طلقها بعوض فكان له عليها الرجعة ، كما لو أصابها . ولها عليه نفقة العدة والسكنى ; لأن ذلك لمن لزوجها عليها الرجعة .

                                                                                                                                            ولا تثبت بها الإباحة للزوج المطلق ثلاثا ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم لامرأة رفاعة القرظي : { أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة ؟ ، لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك . } ولا الإحصان لأنه يعتبر لإيجاب الحد ، والحدود تدرأ بالشبهات ، ولا الغسل لأن موجبات الغسل خمسة وليس هذا منها . ولا يخرج به من العنة ; لأن العنة العجز عن الوطء فلا يزول إلا بحقيقة الوطء . ولا تحصل به الفيئة ، لأنها الرجوع عما حلف عليه ، وإنما حلف على ترك الوطء ، ولأن حق المرأة لا يحصل إلا بنفس الوطء . ولا تفسد به العبادات . ولا تجب به الكفارة .

                                                                                                                                            وأما تحريم الربيبة ، فعن أحمد أنه يحصل بالخلوة . وقال القاضي ، وابن عقيل : لا تحرم . وحمل القاضي كلام أحمد على أنه حصل مع الخلوة نظر أو مباشرة ، فيخرج كلامه على إحدى الروايتين في أن ذلك يحرم والصحيح أنها لا تحرم ; لقول الله تعالى { فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم } والدخول كناية عن الوطء ، والنص صريح في إباحتها بدونه ، فلا يجوز خلافه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية