الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ما جاء في صفة أهل الجنة

                                                                                                          2537 حدثنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله بن المبارك أخبرنا معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أول زمرة تلج الجنة صورتهم على صورة القمر ليلة البدر لا يبصقون فيها ولا يمخطون ولا يتغوطون آنيتهم فيها الذهب وأمشاطهم من الذهب والفضة ومجامرهم من الألوة ورشحهم المسك ولكل واحد منهم زوجتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم من الحسن لا اختلاف بينهم ولا تباغض قلوبهم قلب رجل واحد يسبحون الله بكرة وعشيا قال أبو عيسى هذا حديث صحيح والألوة هو العود

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          قوله : ( تلج الجنة ) من الولوج أي تدخل ( صورتهم على صورة القمر ليلة البدر ) أي في الإضاءة ( لا يبصقون ) قال في القاموس : البصاق كغراب والبساق والبزاق ماء الفم إذا خرج منه ، وما دام فيه فهو ريق ، وبصق بزق ، انتهى . ( ولا يمتخطون ) وفي بعض النسخ : ولا يتمخطون : أي ليس في أنفهم من المياه الزائدة والمواد الفاسدة ليحتاجوا إلى إخراجها ولأن الجنة مساكن طيبة للطيبين فلا يلائمها الأدناس والأنجاس . قال ابن الجوزي : لما كانت أغذية أهل الجنة في غاية اللطافة والاعتدال لم يكن فيها أذى ولا فضلة تستقذر بل يتولد عن تلك الأغذية أطيب ريح وأحسنه ( آنيتهم فيها من الذهب وأمشاطهم من الذهب والفضة ) .

                                                                                                          وفي رواية للبخاري : آنيتهم من الذهب والفضة وأمشاطهم من الذهب .

                                                                                                          قال الحافظ : وكأنه اكتفى في الموضعين بذكر أحدهما عن الآخر فإنه يحتمل أن يكون الصنفان لكل منهم ويحتمل أن يكون أحد الصنفين لبعضهم والآخر للبعض الآخر ، [ ص: 206 ] ويؤيد حديث أبي موسى مرفوعا : ( جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما ، وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما ) الحديث متفق عليه . ويؤيد الأول ما أخرجه الطبراني بإسناد قوي عن أنس مرفوعا : ( إن أدنى أهل الجنة درجة لمن يقوم على رأسه عشرة آلاف خادم بيد كل واحد صحفتان واحدة من ذهب والأخرى من فضة ) الحديث ، انتهى . والأمشاط جمع مشط بتثليث الميم والأفصح ضمها آلة يمتشط بها .

                                                                                                          ( ومجامرهم من الألوة ) قال في النهاية : المجامر جمع مجمر ومجمر ، فالمجمر بكسر الميم هو الذي يوضع فيه النار للبخور ، والمجمر بالضم الذي يتبخر به ، وأعد له الجمر وهو المراد في هذا الحديث أي إن بخورهم بالألوة وهو العود ، انتهى . وفي رواية للبخاري : ووقود مجامرهم الألوة فعلى هذه الرواية المجامر جمع مجمر بكسر الميم أي ما يوقد به مباخرهم ، الألوة وهي بفتح الهمزة ويجوز ضمها وبضم اللام وتشديد الواو . وحكى ابن التين كسر الهمزة . وتخفيف الواو والهمزة أصلية وقيل زائدة : قال النووي : هو العود الهندي ، وقد يقال إن رائحة العود إنما تفوح بوضعه في النار والجنة لا نار فيها ، ويجلب باحتمال أن يشتعل بغير نار بل بقوله كن ، وإنما سميت مجمرة باعتبار ما كان في الأصل ، ويحتمل أن يشتعل بنار لا ضرر فيها ولا إحراق ، أو يفوح بغير اشتعال .

                                                                                                          وقال القرطبي : قد يقال أي حاجة لهم إلى المشط وهم مرد وشعورهم لا تتسخ ، وأي حاجة لهم إلى البخور وريحهم أطيب من المسك ، قال : ويجاب بأن نعيم أهل الجنة من أكل وشرب وكسوة وطيب ليس عن ألم جوع أو ظمأ أو عري أو نتن وإنما هي لذات متتالية ونعم متوالية ، والحكمة في ذلك أنهم ينعمون بنوع ما كانوا يتنعمون به في الدنيا . وقال النووي : مذهب أهل السنة أن تنعم أهل الجنة على هيئة تنعم أهل الدنيا إلا ما بينهما من التفاضل في اللذة ودل الكتاب والسنة على أن نعيمهم لا انقطاع له كذا في الفتح ( ورشحهم ) أي عرقهم ( المسك ) أي رائحة المسك . والمعنى رائحة عرقهم رائحة المسك فهو تشبيه بليغ ( ولكل واحد منهم زوجتان ) وفي رواية للبخاري : ولكل امرئ زوجتان من الحور العين . قال الطيبي : الظاهر أن التثنية للتكرير لا للتحديد كقوله تعالى : فارجع البصر كرتين لأنه قد جاء أن للواحد من أهل الجنة العدد الكثير من الحور العين وقد تقدم الكلام في هذا في باب صفة نساء أهل الجنة ( من الحسن ) قال الطيبي -رحمه الله- : هو تتميم صونا من توهم ما يتصور في تلك الرؤية مما ينفر عنه الطبع ، والحسن [ ص: 207 ] هو الصفاء ورقة البشرة ونعومة الأعضاء ( لا اختلاف بينهم ولا تباغض ) قال تعالى : ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين ( قلوبهم قلب رجل واحد ) أي في الاتفاق والمحبة ( يسبحون الله بكرة وعشيا ) قال الحافظ : أي قدرهما ، قال القرطبي : هذا التسبيح ليس عن تكليف وإلزام وقد فسره جابر في حديثه عند مسلم بقوله : يلهمون التسبيح والتكبير كما يلهمون النفس ، ووجه التشبيه أن تنفس الإنسان لا كلفة عليه فيه ولا بد له منه فجعل تنفسهم تسبيحا وسببه أن قلوبهم تنورت بمعرفة الرب سبحانه ، وامتلأت بحبه ومن أحب شيئا أكثر من ذكره . وقد وقع في خبر ضعيف : أن تحت العرش ستارة معلقة فيه ثم تطوى فإذا نشرت كانت علامة البكور وإذا طويت كانت علامة العشي انتهى . وقال الطيبي : يراد بهما الديمومة كما تقول العرب : أنا عند فلان صباحا ومساء ، لا يقصد الوقتين المعلومين بل الديمومة ، انتهى . قوله : ( هذا حديث صحيح ) وأخرجه الشيخان .




                                                                                                          الخدمات العلمية