الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا ( 5 ) فلم يزدهم دعائي إلا فرارا ( 6 ) وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا ( 7 ) )

يقول تعالى ذكره : قال نوح لما بلغ قومه رسالة ربه ، وأنذرهم ما أمره به أن ينذرهموه فعصوه ، وردوا عليه ما أتاهم به من عنده ( رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا ) إلى توحيدك وعبادتك ، وحذرتهم بأسك وسطوتك ، ( فلم يزدهم دعائي إلا فرارا ) يقول : فلم يزدهم دعائي إياهم إلى ما دعوتهم إليه من الحق الذي أرسلتني به لهم ( إلا فرارا ) يقول : إلا إدبارا عنه وهربا منه وإعراضا عنه .

وقد حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : ( فلم يزدهم دعائي إلا فرارا ) قال : بلغنا أنهم كانوا يذهب الرجل بابنه إلى نوح ، فيقول لابنه : احذر هذا لا يغوينك ، فأراني قد ذهب بي أبي إليه وأنا مثلك ، فحذرني كما حذرتك .

وقوله : ( وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم ) يقول جل وعز : وإني كلما دعوتهم إلى الإقرار بوحدانيتك ، والعمل بطاعتك ، والبراءة من عبادة كل ما سواك ، لتغفر لهم إذا هم فعلوا ذلك جعلوا أصابعهم في آذانهم لئلا يسمعوا دعائي إياهم إلى ذلك ( واستغشوا ثيابهم ) يقول : وتغشوا في ثيابهم ، وتغطوا بها لئلا يسمعوا دعائي .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( جعلوا أصابعهم في آذانهم ) لئلا يسمعوا كلام نوح عليه السلام .

وقوله : ( وأصروا ) يقول : وثبتوا على ما هم عليه من الكفر وأقاموا عليه .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . [ ص: 632 ]

ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( وأصروا ) قال : الإصرار إقامتهم على الشر والكفر .

وقوله : ( واستكبروا استكبارا ) يقول : وتكبروا فتعاظموا عن الإذعان للحق ، وقبول ما دعوتهم إليه من النصيحة .

التالي السابق


الخدمات العلمية