الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 333 ] وله أن يرجع ، وفيها : إن دفع ما أنفق أو قيمته ، وفي موافقته ومخالفته : تردد .

التالي السابق


( و ) إن أعار جار أرضا لجاره فبنى أو غرس فيها ف ( له ) أي المعير ( أن يرجع ) فيما أعاره ( إن دفع ) المعير للمستعير ( ما ) أي مثل المال الذي ( أنفقه ) المستعير في البناء أو الغرس وفيها في محل آخر ( أو قيمته ) أي البناء أو الغرس قائما .

( وفي موافقته ) أي الموضع الثاني للأول بحمل ما أنفق على شرائه ما عمر به وقيمته على إخراجه من عنده ، أو حمل الأول على رجوعه بالقرب والثاني على رجوعه بعد طول أو الأول إذا لم يكن غبن في شراء ما عمر به ، والثاني على ما فيه غبن ( ومخالفته ) أي الثاني الأول ( تردد ) حكاه صاحب النكت والمناسب لاصطلاح المصنف تأويلات . " ق " فيها لمالك رحمه الله تعالى من أذنت له أن يبني في أرضك أو يغرس فلما فعل أردت إخراجه فإما بقرب إذنك له مما لا يشبه أن تعيره إلى مثل تلك المدة القريبة فليس لك إخراجه إلا أن تعطيه ما أنفق . وقال في باب بعد هذا قيمة ما أنفق وإلا تركته إلى مثل ما يرى الناس أنك أعرته إلى مثله من الأمد .

أبو عمر ابن عبد الحكم عن مالك رضي الله تعالى عنهما من أعار جاره خشبة يغرزها في جداره ثم أغضبه فأراد أن ينزعها فليس ذلك له ، وإن احتاج إلى ذلك لأمر نزل به فذلك له ، وإن أراد بيع داره فقال انزع خشبك فليس له ذلك . الباجي روى مروان وابن الماجشون عن مالك رضي الله تعالى عنه إذا أباح له أن يغرز خشبة فليس له أن ينزعها وإن طال الزمان واحتاج إلى جداره مات أو عاش أو باع . وقال أصبغ رحمه الله تعالى إذا أتى عليه من الزمان ما يعار مثله إلى مثل ذلك الزمان فله منعه ابن يونس عن بعضهم معنى قوله فيها يعطيه قيمته إذا أخرج من عنده آجرا أو جيرا وخشبا ونحوها ، وقوله ما أنفق إذا أخرج ثمنا فاشترى به هذه الأشياء فعلى هذا التأويل لا يكون اختلافا من قوله وقيل رأى مرة أن يعطيه ما أنفق إذا لم يكن تغابن أو فيه تغابن يسير ، [ ص: 334 ] ومرة رأى أن القيمة أعدل إذ قد يتسامح مرة فيما يشتريه ، ومرة يغبن فيه ، فإذا أعطى قيمة ذلك يوم بنائه لم يظلم . ابن يونس فلا يكون على هذا اختلافا من قوله ونحوه لعبد الحق وابن عبد السلام والموضح وابن عرفة وغير واحد ، وحمله ابن عرفة في غير هذا الموضع تأويل وفاق ، ونصه ابن رشد . وقيل ليس اختلافا فله النفقة إذا كان لم يغبن فيها وقيمتها إذا كان غبن فيرجع إلى أن له الأقل من النفقة أو قيمتها . ا هـ . وهذا هو الظاهر والله أعلم .

ابن يونس والتأويلان محتملان ، وقيل الثاني خطأ . عب قوله وله الرجوع إلخ ، إنما هو فيمن أعار أرضا لبناء أو غرس لا فيمن أعار جدارا لغرز خشبة فيه كما يوهمه كلام المصنف والشارح وتت ، إذ لا رجوع له بعد الإذن كما تبين مما تقدم الحط قوله وله أن يرجع ظاهره مطلقا طال الزمان أم لا ، وهذا مذهب المدونة في العرصة المعارة لبناء ، لكن جمع ابن رشد وابن زرقون مسألة الجدار ومسألة العرصة ، وحكيا الخلاف فيهما وتبعهما المصنف قوله وفيها إن دفع ما أنفق أو قيمته إنما ذكر هذا أيضا .

في المدونة في مسألة العرصة المعارة لبنائها ، ولكن جمع ابن رشد وابن زرقون مسألتي الجدار والعرصة ، وحكيا الخلاف فيهما جميعا ، وتبعهما المصنف انظر التوضيح هنا وفي العارية البناني لكن قوله فيها إن دفع ما أنفق إلخ يدل على أن المصنف ما قصد إلا مسألة العرصة لأنه في المدونة لم يذكر ذلك إلا فيها وابن رشد وابن زرقون لم ينسبا الخلاف في الجدار للمدونة ، فاعتذار الحط ليس بظاهر والله سبحانه وتعالى أعلم .




الخدمات العلمية