الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          قال : ومن أظهر الإسلام وأسر الكفر فمنافق كافر ، كعبد الله بن أبي ابن سلول ، وإن أظهر أنه قائم بالواجب وفي قلبه أنه لا يفعل فنفاق ، كقوله في ثعلبة { ومنهم من عاهد الله } الآية ، وهل يكفر ؟ على وجهين : وجه كفره أنه شاق الله ورسوله ، ورد رسول رسول الله فكفر ، قال : وطائفة من أصحابنا قالوا كله كفر لأنه مكذب .

                                                                                                          والذي أقول إن ما كان من النفاق في الأفعال لا يكفر وذلك فيما سأله إسحاق بن إبراهيم عمن لا يخاف النفاق على نفسه ، فقال أحمد : ومن يأمن النفاق ؟ فبين أنه يكون في غالب حال الإنسان ، ولا يدل على كفره . وفي معنى النفاق الرياء للناس ، ومراده بذلك : ولا يكفر به ، فكذا هذا النفاق ، أو أنه نفاق ، فهو مثله : ولأحمد من حديث عقبة وعبد الله بن عمر : { وأكثر منافقي أمتي قراؤها } والمراد الرياء ، ولعل مراد من قال كله كفر غير ناقل عن الملة ، كقول أحمد : كفر دون كفر ، وإلا فضعيف جدا ، وظاهر كلام الإمام أحمد وأصحابه لا يكفر إلا منافق أسر الكفر ( م 2 ) [ ص: 167 ] قال : ومن أصحابنا من أخرج الحجاج عن الإسلام لأنه أخاف المدينة ، وانتهك حرم الله وحرم رسوله فيتوجه عليه ، يزيد ونحوه . ونص أحمد خلاف ذلك ، وعليه الأصحاب ، وأنه لا يجوز التخصيص باللعنة ، خلافا لأبي الحسين وابن الجوزي وغيرهما .

                                                                                                          وقال شيخنا : ظاهر كلامه لكراهة ، وفي شرح مسلم : أجمع العلماء أن من كان مصدقا بقلبه ولسانه وفعل هذه الخصال يعني الأربع التي من كن فيه كان منافقا خالصا لا يكفر ، ولا هو منافق يخلد في النار ، فإن إخوة يوسف وغيرهم جمعوا هذه الخصال .

                                                                                                          قال أكثر العلماء : ومعنى الخبر أنه يشبه المنافق ، فإنه أظهر خلاف ما أبطن ، قال بعضهم : ومن ندر ذلك منه فليس داخلا في الخبر .

                                                                                                          وقال الترمذي : إنما معنى هذا عند أهل العلم نفاق العمل .

                                                                                                          وقال جماعة : المراد المنافقون الذين كانوا زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال بعضهم : معناه التحذير للمسلم أن يعتاد هذه الخصال فيخاف أن يفضي به إلى حقيقة النفاق .

                                                                                                          وقد ذكر معنى هذه الأقوال أو بعضها في أحاديث ، ولا يكفر من حكى كفرا سمعه ولا يعتقده ، ولعل هذا ( ع ) ، وروى ابن عساكر في ترجمة محمد بن سعيد بن هناد : سمعت يحيى بن خلف بن الربيع الطرسوسي قال : جاء رجل إلى مالك بن أنس وأنا شاهد فقال : ما تقول في رجل يقول القرآن مخلوق ؟ فقال : كافر زنديق ، خذوه فاقتلوه . فقال الرجل : إنما أحكي كلاما سمعته ، فقال : إنما سمعته منك .

                                                                                                          [ ص: 166 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 166 ] مسألة 2 ) قوله : وإن أظهر أنه قائم بالواجب وفي قلبه أنه لا يفعل فنفاق كقوله في ثعلبة { ومنهم من عاهد الله } الآية ، وهل يكفر ؟ على وجهين وجه كفره أنه شاق الله ورسوله ورد رسول رسول الله فكفر ، قال : وطائفة من أصحابنا قالوا : كله كفر ، لأنه مكذب ، والذي أقول : إن ما كان من النفاق في الأفعال لا يكفر وظاهر كلام الإمام أحمد والأصحاب لا يكفر إلا منافق أسر الكفر ، انتهى .

                                                                                                          [ ص: 167 ] هذا كله من كلام القاضي ، والصواب أنه لا يكفر إلا من أسر الكفر لا غيره ، كما قال القاضي : إنه ظاهر كلام الإمام والأصحاب .




                                                                                                          الخدمات العلمية