الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( يسألونك عن الساعة أيان مرساها ( 42 ) فيم أنت من ذكراها ( 43 ) إلى ربك منتهاها ( 44 ) إنما أنت منذر من يخشاها ( 45 ) كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها ( 46 ) ) . [ ص: 213 ]

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : يسألك يا محمد هؤلاء المكذبون بالبعث عن الساعة التي تبعث فيها الموتى من قبورهم ( أيان مرساها ) ، متى قيامها وظهورها . وكان الفراء يقول : إن قال القائل : إنما الإرساء للسفينة ، والجبال الراسية وما أشبههن ، فكيف وصف الساعة بالإرساء ؟ قلت : هي بمنزلة السفينة إذا كانت جارية فرست ، ورسوها : قيامها; قال : وليس قيامها كقيام القائم ، إنما هي كقولك : قد قام العدل ، وقام الحق : أي ظهر وثبت .

قال أبو جعفر رحمه الله : يقول الله لنبيه : ( فيم أنت من ذكراها ) يقول : في أي شيء أنت من ذكر الساعة والبحث عن شأنها . وذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكثر ذكر الساعة ، حتى نزلت هذه الآية .

حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت : لم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يسأل عن الساعة ، حتى أنزل الله عز وجل : ( فيم أنت من ذكراها إلى ربك منتهاها ) .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن إسماعيل ، عن طارق بن شهاب ، قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يزال يذكر شأن الساعة حتى نزلت ( يسألونك عن الساعة أيان مرساها ) إلى ( من يخشاها ) .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( فيم أنت من ذكراها ) قال : الساعة .

وقوله : ( إلى ربك منتهاها ) يقول : إلى ربك منتهى علمها ، أي إليه ينتهي علم الساعة ، لا يعلم وقت قيامها غيره .

وقوله : ( إنما أنت منذر من يخشاها ) يقول تعالى ذكره لمحمد : إنما أنت رسول مبعوث بإنذار الساعة من يخاف عقاب الله فيها على إجرامه ولم تكلف علم وقت قيامها ، يقول : فدع ما لم تكلف علمه واعمل بما أمرت به من إنذار من أمرت بإنذاره .

واختلف القراء في قراءة قوله : ( منذر من يخشاها ) فكان أبو جعفر القارئ وابن محيصن يقرآن ( منذر ) بالتنوين ، بمعنى : أنه منذر من يخشاها ، وقرأ ذلك سائر قراء المدينة ومكة والكوفة والبصرة بإضافة ( منذر ) إلى ( من ) . [ ص: 214 ]

والصواب من القول في ذلك عندي : أنهما قراءتان معروفتان ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب .

وقوله : ( كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها ) يقول جل ثناؤه : كأن هؤلاء المكذبين بالساعة ، يوم يرون أن الساعة قد قامت من عظيم هولها ، لم يلبثوا في الدنيا إلا عشية يوم ، أو ضحى تلك العشية ، والعرب تقول : آتيك العشية أو غداتها ، وآتيك الغداة أو عشيتها ، فيجعلون معنى الغداة بمعنى أول النهار ، والعشية : آخر النهار فكذلك قوله : ( إلا عشية أو ضحاها ) إنما معناه إلا آخر يوم أو أوله ، وينشد هذا البيت :


نحن صبحنا عامرا في دارها عشية الهلال أو سرارها



يعني : عشية الهلال ، أو عشية سرار العشية .

حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة ، قوله : ( كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها ) وقت الدنيا في أعين القوم حين عاينوا الآخرة .

آخر تفسير سورة النازعات .

التالي السابق


الخدمات العلمية