الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          ولا تلزم صبيا ومجنونا وزمنا وأعمى وشيخا فانيا وراهبا بصومعة ، وفيه وجه ، ولا يبقى بيده مال إلا بلغته فقط ، ويؤخذ ما بيده ، قاله شيخنا . قال : ويؤخذ منهم مالنا ، كالرزق الذي للديورة والمزارع إجماعا ، قال : ويجب ذلك ، قال : ومن له تجارة أو زراعة وهو مخالط أو معاونهم على دينهم كمن يدعو إليه من راهب وغيره يلزمه إجماعا وحكمه حكمهم بلا نزاع ، ولا تلزم عبدا ، وعنه : لمسلم ، جزم به في الروضة ، وأنها تسقط بإسلام أحدهما . وفي التبصرة عن الخرقي : تلزم عبدا مسلما عن عبده .

                                                                                                          قال أحمد : والمكاتب عبد ، وتلزم معتقا بعضه بقدر حريته ، وفي ذمي أعتقه مسلم روايتان . منصوصتان ( م 8 ) لا فقيرا عاجزا عنها وفيه احتمال [ ص: 266 ] كمعتمل ، على الأصح ، وفي خنثى مشكل وجهان ( م 9 ) فإن بان رجلا فللمستقبل ، ويتوجه : وللماضي فإن بذلتها امرأة لدخول دارنا مكنت مجانا .

                                                                                                          ومن صار أهلا بآخر حول أخذ منه بقسطه بالعقد الأول ، وقيل : يخير بينه وبين لحوقه بمأمنه ، وعنه : لا جزية على عتيق مسلم ، وعنه : عتيق ذمي ، جزم به في الروضة ، ويلفق مع إفاقة مجنون حول ، ثم تؤخذ ، وقيل : في آخره بقدرها ، كمعتق بعضه ، وقيل : يعتبر الغالب ، وقيل : فيمن لا ينضبط أمره فقط ، وإن طرأ المانع بعد الحول لم تسقط ، في الأصح ، إلا بالإسلام . نص عليه وأنه يدخل في قوله : { من أسلم على شيء فهو له } لأنها عقوبة لا أجرة عن السكنى .

                                                                                                          وفي الفنون أنها عقوبة ، وأن بقاء النفس مع الذل ليس بغنيمة عند العقلاء ، ومن عد الحياة مع الذل نعمة فقد أخطأ طريق الإصابة .

                                                                                                          وفي الفنون أيضا عن القول بأنها عوض عن كف الأذى : لا بأس به .

                                                                                                          وفي الإيضاح : لا تسقط بإسلام ، ومنع في الانتصار وجوبها وأنها مراعاة ، وأن الخراج يسقط ، نص عليه ، وإن طرأ في أثنائه سقطت ، وقيل : يجب بقسطه ، وإن تولى إمام فعرف ما عليهم ، أو قامت به بينة ، أو ظهر .

                                                                                                          واعتبر في المستوعب ثبوته ، أقرهم ، فإن جهله فقيل : يعمل بقولهم ، وله [ ص: 267 ] تحليفهم فإن بان نقص أخذه . وقيل : يعقدها باجتهاده ( م 10 ) ويؤخذ عوض الجزية زكاتان من أموال بني تغلب ، مما تجب فيه زكاة ، حتى ممن لا تلزمه جزية ، وفيه وجه اختاره الشيخ ، وليس للإمام تغييره ، لأن عقد الذمة مؤبد ، وقد عقده عمر معهم هكذا ، واختار ابن عقيل : يجوز لاختلاف المصلحة باختلاف الأزمنة ، وجعله جماعة كتغيير خراج وجزية ، وقاله شيخنا .

                                                                                                          وكلام الشيخ وغيره يقتضي الفرق ، وسبق ما يدل عليه . وذكره هو وغيره احتمالا بقبولها إذا بذلها ، جزم في الخلاف بالفرق ، وبأن فيه نظرا ، وبأن هذا لزمهم برضاهم ولم يرضوا بالزيادة عليه ، بخلاف الخراج فإنهم ألزموا به وإن لم يرضوا . وقيل : تقبل الجزية منهم ، للآية ، وكحربي لم يدخل في الصلح ، ومصرفه كجزية ، لقول أحمد في رواية محمد بن موسى : تضاعف عليهم الجزية ، وعنه : كزكاة ، لقوله [ ص: 268 ] في رواية ابن القاسم : إنما هي الزكاة الصغير والكبير سواء . وقاله أبو الخطاب وغيره ، فدل أنها تؤخذ ممن لا جزية عليه إن قيل هي زكاة ، وإلا فلا ، وهو أظهر ، ويلحق بهم من تنصر من تنوخ وبهراء ، أو تهود من كنانة وحمير ، أو تمجس من بني تميم ، وذكره جماعة ، وقيل : لا ، واختاره الشيخ وحكاه نص أحمد ، وللإمام المصالحة مثلهم لمن خشي ضرره بشوكته من العرب وأباها إلا باسم الصدقة مضعفة ، نص عليه .

                                                                                                          [ ص: 265 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 265 ] مسألة 8 ) قوله : " وفي ذمي أعتقه مسلم روايتان منصوصتان " ، انتهى .

                                                                                                          ( إحداهما ) : تجب عليه الجزية ، وهو الصحيح ، قال الزركشي : هذا الصحيح المشهور من الروايتين ، قال الشيخ الموفق والشارح : وإذا عتق لزمته الجزية لما يستقبل ، سواء كان معتقه مسلما أو كافرا ، هذا الصحيح عن أحمد ، انتهى .

                                                                                                          وقال في الوجيز وغيره : ويؤخذ ممن صار أهلا لها في آخر الحول ، وهو ظاهر ما قدمه في المحرر ، وجزم به الخرقي .

                                                                                                          ( والرواية الثانية ) لا جزية عليه ، قال الخلال : هذا قول قديم رجع عنه وأوجبها .

                                                                                                          ( تنبيه )

                                                                                                          أطلق المصنف رحمه الله الروايتين في الذمي إذا أعتقه المسلم ثم قال بعد ذلك بأربعة سطور ، وعنه : لا جزية على عتيق مسلم ، والظاهر أنها هي إحدى الروايتين اللتين ذكرهما أولا ، فيحصل في الكلام نظر لكونه أطلق الخلاف ، ثم يحكي رواية بعدم الجزية ، فظاهره أن المقدم لزوم الجزية ، وهي المذهب ، كما تقدم ، فحصل خلل من جهة المذهب ، والله أعلم . [ ص: 266 ]

                                                                                                          ( مسألة 9 ) قوله : " وفي خنثى مشكل وجهان " ، انتهى .

                                                                                                          ( أحدهما ) : لا تجب عليه ، وهو الصحيح من المذهب ، وبه قطع في الكافي والحاوي الكبير ، قال في الرعاية الكبرى وهو أظهر ( والوجه الثاني ) : تجب : وبه قطع في المغني والشرح والحاوي الصغير وتذكرة ابن عبدوس وغيرهم ، وقدمه في الرعايتين .

                                                                                                          ( قلت ) : وهو ضعيف . [ ص: 267 ]

                                                                                                          ( مسألة 10 ) قوله : " وإذا تولى إمام فعرف ما عليهم ، أو قامت بينة ، أو ظهر أقرهم ، فإن جهله فقيل : يعمل بقولهم ، وله تحليفهم ، فإن بان نقص أخذه ، وقيل . يعقدها باجتهاده " ، انتهى . وأطلقهما في المحرر انتهى .

                                                                                                          ( أحدهما ) يعمل بقولهم ، وهو الصحيح ، وبه قطع في الكافي وغيره ، وقدمه في المذهب ومسبوك الذهب والخلاصة والمغني والمقنع والشرح والرعايتين والحاويين وغيرهم .

                                                                                                          ( والوجه الثاني ) يستأنف العقد معهم ، اختاره أبو الخطاب فقال في الهداية : وعندي أنه يستأنف عقد الذمة معهم على ما يؤدي اجتهاده ، انتهى . فهذه عشر مسائل في هذا الباب .




                                                                                                          الخدمات العلمية