الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                        صفحة جزء
                                                        5444 - حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، قال : ثنا سليمان بن حرب ، قال : ثنا حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن عكرمة ، قال : لما وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل مكة ، وكانت خزاعة حلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية ، وكانت بنو بكر حلفاء قريش .

                                                        فدخلت خزاعة في صلح رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودخلت بنو بكر في صلح قريش ، فكان بين خزاعة وبين بني بكر بعد قتال ، فأمدهم قريش بسلاح وطعام ، وظللوا عليهم ، وظهرت بنو بكر على خزاعة ، فقتلوا فيهم .

                                                        فخافت قريش أن يكونوا على قوم قد نقضوا ، فقالوا لأبي سفيان : اذهب إلى محمد فأجد الحلف ، وأصلح بين الناس ، وأن ليس في قوم ظللوا على قوم وأمدوهم بسلاح وطعام ما إن يكونوا نقضوا .

                                                        فانطلق أبو سفيان وسار ، حتى قدم المدينة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قد جاءكم أبو سفيان ، وسيرجع راضيا بغير حاجة .

                                                        فأتى أبا بكر رضي الله عنه ، فقال : يا أبا بكر ، أجد الحلف وأصلح بين الناس أو بين قومك ، قال : فقال أبو بكر رضي الله عنه الأمر إلى الله تعالى وإلى رسوله ، وقد قال فيما قال له بأن ليس في قوم ظللوا على قوم وأمدوهم بسلاح وطعام ، ما إن يكونوا نقضوا .

                                                        قال : فقال أبو بكر رضي الله عنه : الأمر إلى الله عز وجل ، وإلى رسوله .

                                                        قال : ثم أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فذكر له نحوا مما ذكر لأبي بكر رضي الله عنه .

                                                        [ ص: 313 ] فقال عمر رضي الله عنه : أنقضتم ؟ فما كان منه جديدا ، فأبلاه الله تعالى ، وما كان منه شديدا - أو قال : متينا - فقطعه الله تعالى .

                                                        فقال أبو سفيان : وما رأيت كاليوم شاهد عشرة .

                                                        ثم أتى فاطمة رضي الله عنها ، فقال لها : يا فاطمة ، هل لك في أمر تسودين فيه نساء قومك ، ثم ذكر لها نحوا مما قال لأبي بكر رضي الله عنه ، ثم قال لها : فتجددين الحلف ، وتصلحين بين الناس .

                                                        فقالت رضي الله عنها : ليس إلا إلى الله وإلى رسوله .

                                                        قال : ثم أتى عليا رضي الله عنه ، فقال له نحوا مما قال لأبي بكر رضي الله عنه .

                                                        فقال علي رضي الله عنه : ما رأيت كاليوم رجلا أصل ، أنت سيد الناس ، فأجد الحلف وأصلح بين الناس .

                                                        فضرب أبو سفيان إحدى رجليه على الأخرى وقال : قد أخذت بين الناس بعضهم من بعض .

                                                        قال : ثم انطلق حتى قدم ، والله ما أتيتنا بحرب فيحذر ، ولا أتيتنا بصلح فيأمن ، ارجع ارجع .

                                                        قال : وقدم وفد خزاعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما صنع القوم ، ودعاه بالنصرة وأنشد في ذلك :

                                                        لاهــــم إنــــي ناشــــد محـــمدا حــــلف أبينــــا وأبيـــه الأتلـــدا     والـــــدا كنــــا وكــــنت ولــــدا
                                                        إن قريشــــا أخــــلفوك الموعــــدا     ونقضـــــوا ميثـــــاقك المؤكــــدا
                                                        وجــــعلوا لــــي بكـــداء رصـــدا     وزعمـــوا أن لســت تدعــوا أحــدا
                                                        وهــــــم أذل وأقــــــل عــــــددا     وهــــم أتونــــا بـــالوتير هجـــدا
                                                        نتلـــوا القـــرآن ركعـــا وســـجدا     ثمـــت أســـلمنا ولــم نــنزع يــدا
                                                        فــانصر رســول اللــه نصـرا أعتـدا     وابعـــث جــنود اللــه تــأتي مــددا
                                                        فــي فيلــق كــالبحر يــأتي مزبــدا     فيهـــم رســول اللــه قــد تجــردا
                                                        إن ســـيم خســـفا وجهــه تربــدا

                                                        .

                                                        قال حماد : هذا الشعر بعضه عن أيوب ، وبعضه عن يزيد بن حازم ، وأكثره عن محمد بن إسحاق .

                                                        ثم رجع إلى حديث أيوب عن عكرمة قال : ما قال حسان بن ثابت رضي الله عنه :

                                                        أتــاني ولــم أشــهد ببطحــاء مكـة     رجـــال بنــي كــعب تحــز رقابهــا
                                                        وصفـوان عـود خـر مـن ودق اسـته     فــذاك أوان الحــرب حــان غضابهـا
                                                        [ ص: 314 ] فيــا ليــت شــعري هــل لنـا مـرة     ســهيل بـن عمـرو حولهـا وعقابهـا

                                                        قال : فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرحيل فارتحلوا فساروا ، حتى نزلوا بمر الظهران .

                                                        قال : وجاء أبو سفيان حتى نزل ليلا ، فرأى العسكر والنيران ، فقال : ما هذا ؟ قيل : هذه تميم ، أمحلت بلادها فانتجعت بلادكم .

                                                        قال : هؤلاء والله أكثر من أهل منى ، أو مثل أهل منى .

                                                        فلما علم أنه النبي صلى الله عليه وسلم تنكر ، وقال : دلوني على العباس بن عبد المطلب ، وأتى العباس فأخبره الخبر وانطلق به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبة له ، فقال : يا أبا سفيان ، أسلم تسلم . قال : وكيف أصنع باللات والعزى ؟


                                                        5445 - قال أيوب : حدثني أبو الخليل ، عن سعيد بن جبير رحمه الله ، قال : قال عمر رضي الله عنه وهو خارج من التيه ما قلتها أبدا .

                                                        قال أبو سفيان : من هذا ؟ قالوا : عمر رضي الله عنه ، فأسلم أبو سفيان ، فانطلق به العباس ، فلما أصبحوا ثار الناس لظهورهم .

                                                        قال : فقال أبو سفيان : يا أبا الفضل ، ما للناس أمروا في شيء ؟ قال : فقال : لا ، ولكنهم قاموا إلى الصلاة فأمره فتوضأ ، وانطلق به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                        [ ص: 315 ] فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة ، كبر ، فكبر الناس ، ثم ركع فركعوا ، ثم رفع فرفعوا .

                                                        فقال أبو سفيان : ما رأيت كاليوم طاعة قوم جمعهم من هاهنا وهاهنا ، ولا فارس الأكارم ولا الروم ذات القرون بالطوع منهم
                                                        .

                                                        قال حماد : وزعم زيد بن حازم ، عن عكرمة قال : قال أبو سفيان : يا أبا الفضل ، أصبح - والله - ابن أخيك عظيم الملك ، قال : ليس بملك ، ولكنها نبوة . قال : أو ذاك أو ذاك ؟ .

                                                        قال : ثم رجع إلى حديث أيوب ، عن عكرمة ، قال : فقال أبو سفيان : واصباح قريش .

                                                        قال : فقال العباس رضي الله عنه : يا رسول الله ، لو أذنت لي فأتيت أهل مكة فدعوتهم وأمنتهم ، وجعلت لأبي سفيان شيئا يذكر به .

                                                        قال : فانطلق فركب بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم الشهباء ، وانطلق .

                                                        قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ردوا علي أبي ، ردوا علي أبي ، إن عم الرجل صنو أبيه ، إني أخاف أن تفعل بك قريش ، كما فعلت ثقيف بعروة بن مسعود ، دعاهم إلى الله فقتلوه ، أما والله لئن ركبوها منه ، لأضرمنها عليهم نارا .

                                                        قال : فانطلق العباس رضي الله عنه : فقال : يا أهل مكة ، أسلموا تسلموا ، فقد استبطنتم بأشهب بازل .

                                                        قال : وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث الزبير من قبل أعلى مكة ، وبعث خالد بن الوليد من قبل أسفل مكة .

                                                        قال : فقال لهم : هذا الزبير من قبل أعلى مكة ، وهذا خالد من قبل أسفل مكة ، وخالد وما خالد ، وخزاعة مجدعة الأنوف .

                                                        ثم قال : من ألقى سلاحه فهو آمن ، ومن أغلق بابه فهو آمن ، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن .

                                                        ثم قدم النبي صلى الله عليه وسلم ، فتراموا بشيء من النبل ، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ظهر عليهم ، فأمن الناس إلا خزاعة عن بني بكر ، وذكر أربعة : مقيس بن ضبابة ، وعبد الله بن أبي سرح ، وابن خطل ، ومارة مولاة بني هاشم . قال حماد : سبارة في حديث أيوب ، أو في حديث غيره .

                                                        قال : فقاتلهم خزاعة إلى نصف النهار ، فأنزل الله عز وجل : ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول ، إلى قوله عز وجل : ويشف صدور قوم مؤمنين ، قال خزاعة : ويذهب غيظ قلوبهم ويتوب الله على من يشاء
                                                        .

                                                        التالي السابق


                                                        الخدمات العلمية