الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 410 ] باب تاريخ خروجه ، عليه الصلاة والسلام ، من المدينة لحجة الوداع بعد ما استعمل عليها أبا دجانة سماك بن خرشة الساعدي ، ويقال : سباع بن عرفطة الغفاري

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال محمد بن إسحاق : فلما دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذو القعدة - من سنة عشر - تجهز للحج ، وأمر الناس بالجهاز له ، فحدثني عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه القاسم بن محمد ، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحج لخمس ليال بقين من ذي القعدة . وهذا إسناد جيد .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وروى الإمام مالك في " موطئه " عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمرة ، عن عائشة ، ورواه الإمام أحمد ، عن عبد الله بن نمير ، عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمرة عنها ، وهو ثابت في " الصحيحين " ، و " سنن [ ص: 411 ] النسائي " وابن ماجه و " مصنف ابن أبي شيبة " ، من طرق ، عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمرة ، عن عائشة قالت : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لخمس بقين من ذي القعدة لا نرى إلا الحج . الحديث بطوله ، كما سيأتي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال البخاري : حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي ، ثنا فضيل بن سليمان ، ثنا موسى بن عقبة أخبرني كريب ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، قال : انطلق النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة بعد ما ترجل وادهن ، ولبس إزاره ورداءه ، ولم ينه عن شيء من الأردية ولا الأزر إلا المزعفرة التي تردع على الجلد ، فأصبح بذي الحليفة ، ركب راحلته حتى استوى على البيداء ، وذلك لخمس بقين من ذي القعدة ، فقدم مكة لأربع ليال خلون من ذي الحجة . تفرد به البخاري . فقوله : وذلك لخمس بقين من ذي القعدة . إن أراد به صبيحة يومه بذي الحليفة صح قول ابن حزم في دعواه أنه صلى الله عليه وسلم خرج من المدينة يوم الخميس وبات بذي الحليفة ليلة الجمعة ، وأصبح بها يوم الجمعة ، [ ص: 412 ] وهو اليوم الخامس والعشرون من ذي القعدة . وإن أراد ابن عباس بقوله : وذلك لخمس بقين من ذي القعدة . يوم انطلاقه ، عليه الصلاة والسلام من المدينة بعدما ترجل وادهن ولبس إزاره ورداءه - كما قالت عائشة وجابر : إنهم خرجوا من المدينة لخمس بقين من ذي القعدة - بعد قول ابن حزم وتعذر المصير إليه ، وتعين القول بغيره ، ولم ينطبق ذلك إلا على يوم الجمعة ، إن كان شهر ذي القعدة كاملا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولا يجوز أن يكون خروجه ، عليه الصلاة والسلام ، من المدينة كان يوم الجمعة ; لما رواه البخاري ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، ثنا وهيب ، ثنا أيوب ، عن أبي قلابة ، عن أنس بن مالك قال : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن معه بالمدينة الظهر أربعا ، والعصر بذي الحليفة ركعتين ، ثم بات بها حتى أصبح ، ثم ركب ، حتى استوت به راحلته على البيداء ، حمد الله ، عز وجل ، وسبح وكبر ، ثم أهل بحج وعمرة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد رواه مسلم والنسائي جميعا عن قتيبة ، عن حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بالمدينة أربعا والعصر بذي الحليفة ركعتين

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال أحمد : حدثنا عبد الرحمن ، عن سفيان ، عن محمد - يعني ابن [ ص: 413 ] المنكدر - وإبراهيم بن ميسرة ، عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بالمدينة أربعا ، والعصر بذي الحليفة ركعتين . ورواه البخاري ، عن أبي نعيم ، عن سفيان الثوري به . وأخرجه مسلم ، وأبو داود ، والنسائي ، من حديث سفيان بن عيينة عن محمد بن المنكدر ، وإبراهيم بن ميسرة ، عن أنس به .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال أحمد : ثنا محمد بن بكير ، ثنا ابن جريج عن محمد بن المنكدر ، عن أنس قال : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر بالمدينة أربعا ، والعصر بذي الحليفة ركعتين ، ثم بات بذي الحليفة حتى أصبح ، فلما ركب راحلته واستوت به أهل .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال أحمد : ثنا يعقوب ، ثنا أبي ، عن محمد بن إسحاق ، حدثني محمد بن المنكدر التيمي ، عن أنس بن مالك الأنصاري قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر في مسجده بالمدينة أربع ركعات ، ثم صلى بنا العصر بذي الحليفة ركعتين ، آمنا لا يخاف ، في حجة الوداع . تفرد به أحمد من هذين الوجهين الآخرين وهما على شرط الصحيح ، وهذا ينفي كون خروجه ، عليه الصلاة والسلام ، يوم الجمعة قطعا ، ولا يجوز على هذا أن يكون خروجه يوم الخميس كما قال ابن حزم ; لأنه كان يوم الرابع والعشرين من ذي القعدة ; [ ص: 414 ] لأنه لا خلاف أن أول ذي الحجة كان يوم الخميس ; لما ثبت بالتواتر والإجماع من أنه ، عليه الصلاة والسلام ، وقف بعرفة يوم الجمعة ، وهو تاسع ذي الحجة بلا نزاع ، فلو كان خروجه يوم الخميس الرابع والعشرين من ذي القعدة ، لبقي في الشهر ست ليال قطعا ; ليلة الجمعة ، والسبت ، والأحد ، والاثنين ، والثلاثاء ، والأربعاء ، فهذه ست ليال .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد قال ابن عباس ، وعائشة ، وجابر : إنه خرج لخمس بقين من ذي القعدة . وتعذر أنه يوم الجمعة ; لحديث أنس ، فتعين على هذا أنه ، عليه الصلاة والسلام ، خرج من المدينة يوم السبت ، وظن الراوي أن الشهر يكون تاما ، فاتفق في تلك السنة نقصانه فانسلخ يوم الأربعاء ، واستهل شهر ذي الحجة ليلة الخميس ، ويؤيده ما وقع في رواية جابر : لخمس بقين أو أربع . وهذا التقرير على هذا التقدير لا محيد عنه ، ولا بد منه ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية